بناء على التوصيات التي قدّمها بنك إسرائيل، إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن كيان الاحتلال يواجه مجموعة من التحديات التي تبقيه يراوح مكانه منذ 40 عاماً. وتنقل صحيفة هآرتس الاستراتيجية التي قدمها محافظ البنك والتي تشير إلى التخلف في البنى التحتية للمواصلات، وتخلف في البنى التحتية الرقمية، وتنظيم حكومي مثقل يتمثل أيضاً بغلاء السكن وغلاء المعيشة وأزمة المناخ، وفوق كل ذلك تحلق المشكلة الأصعب: تخلف في نوع رأس المال البشري لدينا.
النص المترجم:
في بنك إسرائيل، كما يبدو، لم يقصدوا الوصول إلى ذلك. إنما هم بالإجمال أرادوا عرض رسم بياني يمتد على مساحة 40 سنة بالضبط، من العام 1981 وحتى العام 2021. هذا هو الرسم البياني الثالث في العرض الاستراتيجي الذي قدمه المحافظ أمير يارون لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهو يمثل المشكلة الاستراتيجية الصعبة لإسرائيل: باختصار، نحن نراوح في المكان في الأربعين سنة.
إسرائيل في هذه الأربعين سنة تغيرت كلياً، ومستوى الحياة هنا ارتفع جداً. ولكن عند النظر إلى المعطيات بنظرة تاريخية تنكشف الحقيقة المريرة، وهي أن إسرائيل تقدمت، لكن دولاً أخرى تقدمت في الوقت نفسه، لذلك فإن الفجوة بيننا وبينها بقيت على حالها. "محاور عمل استراتيجية موصى بها للحكومة"، هذا هو اسم الخطة التي قدمها بنك إسرائيل أمس. "أمام نهوض مثير للانطباع إزاء الاقتصاد الإسرائيلي من أزمة كورونا"، فسر المحافظ يارون في رسالة لرئيس الحكومة، "تقف الدولة أمام سلسلة مواضيع، منها البنى التحتية التي يعد مستوى الحياة في إسرائيل بسببها منخفضاً نسبياً مقارنة مع دول الـ OECD".
وكتب يارون أيضاً بأن بنك إسرائيل نشر في 2019 تقريراً خاصاً، أشار فيه إلى إنتاجية العمل المتدنية في إسرائيل كعامل رئيسي للفجوة في مستوى الحياة بين إسرائيل والدول المتقدمة الأخرى، وأوصى بطرق لتحسينها. في الوقت الذي انقضى، بقيت المواضيع الاستراتيجية التي يجب على الاقتصاد الإسرائيلي أن يتعامل معها منذ ذلك الحين على حالها.
الرسومات البيانية الثلاثة الأولى تؤكد الوقت الذي انقضى، في حين أن المشكلات الاستراتيجية بقيت على حالها. إنتاج الفرد في إسرائيل ومستوى الحياة أقل 13 في المئة من المتوسط في الدول المتقدمة، ولم يتم إغلاق الفجوة.
وعد نتنياهو في 2005 وفي 2010 بأن يوصل إسرائيل إلى قمة الـ 15 دولة الأفضل والأغنى في العالم. عملياً، نحن الآن في المكان 35 في العالم من حيث مستوى الحياة النسبي (قال نتنياهو مؤخراً بأن إنتاج الفرد في إسرائيل هو في المكان 15 في العالم، هذا كذب. ناتج الفرد في إسرائيل يتناسب مع التضخم ومفاهيم قوة الشراء، ولا يزال في المكان 35 في العالم – أقل أو أكثر بقليل، من المكان الذي نعلق فيه منذ الثمانينيات).
سبب ذلك، كما فسر المحافظ في الرسالة، هو إنتاجية العمل المتدنية لنا – أقل 20 في المئة من المتوسط في دول الـ OECD. هنا يأتي الرسم البياني الثالث: فحص تاريخي لتطور إنتاجية العمل لإسرائيل بين الأعوام 1981 – 2021.
المشكلة: نوع رأس المال البشري لدينا
قد يكون نتنياهو راضياً من هذا الرسم البياني، فهو يظهر أن هناك ارتفاعاً سريعاً نسبياً في إنتاجية العمل في إسرائيل منذ أزمة العام 2008. كما يظهر الرسم البياني أيضاً بأن هذا الارتفاع هو تعويض عن الانخفاض الذي حدث في عقود سابقة. عملياً، لم تتحسن إنتاجية العمل عندنا نسبياً منذ 1981 مقارنة مع الدول المتقدمة. ما زالت الإنتاجية عندنا 85 في المئة من إنتاجية الدول المتقدمة (الـ 25 دولة التي لديها بيانات منذ 1981)، و65 في المئة فقط من إنتاجية العمل في أمريكا. نحن في نفس النقطة نسبياً التي كنا فيها في 1981، وبالنسبة للولايات المتحدة – حتى أكثر انخفاضاً.
إنتاجية العمل، أي كم ينتج كل عامل، هي مفتاح نمو الاقتصاد. إذا لم ننتج أكثر فلن نكسب أكثر، ومستوى الحياة سيتدهور. هذا الرسم البياني لبنك إسرائيل يدل على أن إسرائيل لم تنجح منذ 1981 في تحسين نوعية العمل فيها. لذلك، نحن عالقون.
بالمناسبة، وخلافاً للتوقعات، ثمة دول فيها إنتاجية متدنية على الأغلب تتحسن اليوم بصورة نسبية وعلى الأقل تغلق جزءاً من الفجوة.
لكن إسرائيل تراوح في المكان خلال أربعين سنة. هذه ليست مجرد أربعة عقود. الانقلاب السياسي كان في 1977، ومنذ ذلك الحين وخلال 45 سنة، حكومات الليكود هي التي تقود إسرائيل؛ وكان في الوسط ثلاث حكومات وحدة وطنية (بما في ذلك حكومة التغيير)، وحكومتان لليسار (رابين وباراك)، لكن حتى لو قمنا بجمعها معاً فلن نصل إلى 12 سنة (هذا يتعلق بكيفية حساب حكومات الوحدة الوطنية) لأحزاب يسارية في الحكم.
في الأربعة عقود هذه، اليمين هو الذي أدار إسرائيل، وأعيننا ترى النتائج. نحن عالقون في المكان. هذا غير مفاجئ ولا يوجد سبب للتفاؤل حول تحسين تصنيف مستوى المعيشة عندنا، لأن حكومات اليمين الأخيرة، بإدارة نتنياهو، تتجنب معالجة أسباب إنتاجية العمل المتدنية لإسرائيل. عملياً، الحكومة الحالية تضر بشكل متعمد بمعالجة هذه المشكلات.
بنك إسرائيل يحصي الكثير من أسباب تدني إنتاجية العمل في إسرائيل: تخلف في البنى التحتية للمواصلات، وتخلف في البنى التحتية الرقمية، وتنظيم حكومي مثقل يتمثل أيضاً بغلاء السكن وغلاء المعيشة وأزمة المناخ، وفوق كل ذلك تحلق المشكلة الأصعب: تخلف في نوع رأس المال البشري لدينا.
"رأس المال البشري، الذي يبنى على يد جهاز التعليم، عامل حاسم في نمو الاقتصاد الحديث"، كتب المحافظ. "سلسلة طويلة من المعايير تظهر أن رأس المال البشري في إسرائيل منخفض مقارنة مع العالم، وهناك فجوات كبيرة في نوع رأس المال البشري بين المجموعات التي تشكل المجتمع في إسرائيل".
بنك إسرائيل يقارن علامات إسرائيل في الاختبارات الدولية. في امتحان "بيزا" اجتاز 66 في المئة فقط من الطلاب في إسرائيل نسبة الحد الأدنى في امتحان الرياضيات، مقابل 76 في المئة في الدول المتقدمة. في امتحان البالغين "بياك"، تتخلف إسرائيل وراء العالم، في 8 من بين الـ 10.
في حين أننا نسبق العالم في العشرية الأولى بنسبة ضئيلة، وكانت علامات الإسرائيليين في العشرية الدنيا أدنى 19 في المئة من المتوسط. بهذا، الطرف الأعلى يشبه باقي العالم بدرجة معينة، في حين أن الطرف الأدنى لنا يتخلف بعشرات النسب المئوية. ذيلنا ثقل ضخم، يجذب كل إسرائيل إلى الأسفل.
التحدي: جهاز التعليم العربي والحريدي
ما هو هذا الطرف الأدنى؟ بالطبع العرب والحريديون. وضعنا صادم في هاتين المجموعتين السكانيتين. فحص علامات الطلاب العرب مقابل الطلاب اليهود في امتحان "بيزا" في 2003 – 2018 يدل على أن العرب يزيدون التخلف عن اليهود.
يصعب الاستغراب من حقيقة أن وزارة التعليم تطبق منذ 2013 خطة لتقليص التمييز في الميزانيات، فإن الطالب العربي يحصل على ميزانية أقل من ميزانية الطالب اليهودي. تشير علامات امتحان "بياك" لدى الذكور الحريديين إلى تخلف يساوي أربع سنوات تعليم مقابل اليهود غير الحريديين، الأمر الذي يؤدي إلى تخلف 25 – 30% في الأجور. الشباب الحريديون لا يتعلمون المواضيع الأساسية، وتقريباً من غير الممكن التغلب على ذلك في جيل أكبر. مثلاً، نسبة التسرب المتوسطة للحريديين من مدارس إعدادية هو 44% مقابل 23% لدى اليهود غير الحريديين.
ماذا ستفعل الحكومة الجديدة لمواجهة هذا التحدي الأساسي، نوعية جهاز التعليم، لا سيما العربي والحريدي؟ كما هو معروف، قامت الحكومة بفصل وإضعاف وزارة التعليم، ووضعت على رأسها وزيراً ومديراً عاماً لا يفهمان شيئاً عن التعليم وفي الإدارة الحكومية. وقد زادت بمليارات الشواقل لميزانية جهاز التعليم الحريدي المنفصل، وأخرجته من إشراف وزارة التعليم. هكذا ضمنت أن الطلاب الحريديين لن يتعلموا المواضيع الأساسية في يوم ما.
بدلاً من مواجهة مشكلات إسرائيل الاستراتيجية، نجد الحكومة تعيق الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية، وهذا حتى قبل أن نوازن التأثير المدمر للانقلاب المخطط له لمستقبل إسرائيل. بهذه الوتيرة، قد نشتاق إلى العشرين سنة من المراوحة في المكان. التوجهات المستقبلية التي تجرنا إليها الحكومة في تآكل متواصل.
المصدر: هآرتس
الكاتب: ميراف ارلوزوروف