ضمن فعاليات الذكرى الـ 44 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران "عشرة الفجر"، خصّ المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر زاده موقع الخنادق الإلكتروني، بنشر 8 محاضرات له حول مفهوم الثورة الإسلامية في منظومة الإمام الخامنئي الفكرية.
وهذا نص المحاضرة (1/8):
بدایة أرید أن أشیر إلی أهمیّة هذا المحور في الدورة، لأنّ عنوان "الثورة الإسلامیة" في فکر الإمام الخامنئي عنوانٌ عام وکلمة مفتاحیة أساسية تشتمل علی شبكة واسعة من المصطلحات والمفاهیم المهمة وکثیرة الاستعمال في خطابات سماحته، ونحن إذا أردنا أن نتعرّف علی هذه الشبكة الجامعة وهذه المنظومة الفکریّة لا بد أن عن أن نتعرّف أولاً علی ذلك العنوان العام والشامل وهو عنوان الثورة الإسلامیة.
مثلاً عندما ندرس مفهوم "سیادة الشعب الدینية" فإننا في الحقیقة نتحدّث عن نظریة الثورة الإسلامیة في السیاسة، أو عندما نناقش مفهوم "الاقتصاد المقاوم" فإننا في الواقع نحکي حول نظریة الثورة الإسلامیة في الاقتصاد، أو عندما نتحدّث عن "الحضارة الإسلامیة الحدیثة" فإننا في الحقیقة نتحدث عن مرحلة من مراحل الثورة الإسلامیة، أو عندما نبحث عن مفاهیم "الحریة" و "الاستقلال" و "العدالة" و "التقدّم" و "الحیاة الطیبة" في خطابات الإمام الخامنئي نلاحظ أنّ کلّ هذه المفاهیم مرتبطة في فکره بمفهوم الثورة الإسلامیة ونجد أنهّا تمثلّ أهداف الثورة أو قیمها، أو مثلاً عندما یطرح سماحة القائد مسألة "جهاد التبیین" فهو یقصد تبیین حقائق الثورة الإسلامیة ومعارفها للجمهور في وجه محاولات الأعداء لقلب الحقائق وتضلیل الناس.
وهذا الأمر لا يبقى في مستوى الطرح النظري والفكري فحسب، وإنما نجد أنّ تصرّفات سماحته وسلوكه العملي أیضاً مرتبط بهذا المفهوم الأساسي، أي مفهوم الثورة الإسلامیة. وبتعبیر آخر، عندما یقوم سماحة الإمام الخامنئي بعمل معيّن أو یتخّذ موقفاً معیّناً أو یأخذ قراراً أو یلتقي بمجموعات وشرائح مختلفة، یقوم بکلّ هذه الأعمال من منطلق الثورة الإسلامیة. کمثال بسیط ولکن ملفت جداً، أشیر إلی جملة من خطاب سماحته بعد غرس شجرة بمناسبة الیوم الوطني للتشجیر قبل بضعة أشهر. تعرفون أنّ سماحته یقوم بغرس شجرة کل سنة في هذا الیوم. ربّما البعض لیس عنده تصوّر دقیق عن مدی أهمیة هذا العمل لدی سماحته، لکن بناءً علی فهم الإمام الخامنئي الدقیق لمفهوم الثورة الإسلامیة هذا العمل البسیط في ظاهره، في الحقیقة مرتبط بالثورة وبالإسلام! یصرّح سماحته: "إنّ زراعة الأشجار حركة دينية وثورية بامتیاز". وهنا یجب أن نسأل أنفسنا إلی أيّ درجة یتطابق فهمنا للثورة مع فهم القائد؟!
هذا من جهة، أما من جهة أخری، نحن نعتقد أن سماحة الإمام الخامنئي هو قائد الثورة الإسلامیة، وهذه الصفة یعني صفة "قیادة الثورة الإسلامیة" هي أهم مسؤولية یتحمّلها سماحة الإمام الخامنئي. وأصلاً عندما نعبّر عن سماحته بکلمة "القائد" فإننا نقصد بأنّه قائدٌ للثورة الإسلامية. فلذلك من الضروري والمهم جداً أن نعرف کیف ینظر سماحته إلی مفهوم الثورة الإسلامیة، وکیف یعرّف هذا القائد هذه الثورة التي یقودها هو. وإلا سنقع في کثیر من الأخطاء والإشکالات في تحلیلنا للثورة وأبعادها وأهدافها وإنجازاتها أو إخفاقاتها وآفاقها ومستقبلها.
هنا لا بأس أن أقرأ لکم مقاطع من خطاب الإمام الخامنئي حول هذا الموضوع حتی تعرفوا کیف ینظر سماحته إلی مسؤولية قیادة الثورة الإسلامیة، ورغم أنّه لیس لدیه أيُّ تعلّق دنیوي ومادي بهذا المنصب، لکن کیف یری نفسه مسؤولاً عن أداء هذا الدور القيادي. یقول سماحة القائد: "مسؤوليّة إدارة الثّورة تختلف عن الإدارة التنفيذيّة للبلاد. القائد لا يتحمّل مسؤوليّة تنفيذيّة، لكنّه يتحمّل مسؤولية إدارة الثّورة - التي هي نفسها القيادة - ومسؤوليّة الحفاظ على اتّجاه الثّورة الإسلاميّة والنّظام، ولا بدّ أن يكون مهتمّاً بأن لا تنحرف الثّورة عن الأهداف ولا تتخلّى عنها، وأن لا تُخدع بحِيَل العدوّ ولا تسلك المسار الخاطئ. هذه هي مسؤوليّات القيادة". وفي خطاب آخر یقول: "الهدف والهويّة والمسؤوليّة الأساسيّة للقيادة، هي الدّفاع عن النّظام ككلّ وصونه. و أنا -العبد- لا أملك شيئاً أيضاً، فالرّوح وماء الوجه متاعٌ قليل ليُبذلا في هذا المسار، وأنا لديّ الجهوزيّة التامّة لأن أبذُل هذين العنصرين اللذين أملكهما. أنا لستُ متعلّقاً أيضاً بهذه المسؤوليّة الحاليّة على الإطلاق، إلا تحت عنوان أداء التكليف. والآن حيث أنّني منشغلٌ بها، فذلك حصراً من أجل أداء التّكليف، وهذا ما كان عليه الحال منذ اليوم الأوّل. منذ ذلك اليوم حين صوّت السادة في مجلس خبراء القيادة، واجهوا اعتراضي وامتناعي ومعارضتي الجديّة والمتواصلة، لكن حين أُلقيت المسؤوليّة على عاتقي، قلت: خُذها بقوّة".
طبعاً هناك موضوع مهم آخر، وهو کیفیة قیادة سماحته للثورة الإسلامیة والأسالیب والآليات التي يعتمدها في القيادة. لکن هذا الموضوع سیکون عنوان المحور الخامس في الدورة. ولذلك نحن في هذا المحور وفي هذه الجلسات سنرکّز فقط علی مفهوم الثورة الإسلامیة من منظار قائد الثورة الإسلامیة، وسنترك عنوان "البعد القیادي" لدى سماحة الإمام الخامنئي إلی المحور الخامس والأخیر من هذه الدورة إن شاء الله.
النقطة الثانیة في هذه الجلسة هي إشارة سریعة إلی علاقة مبحث الثورة الإسلامیة بالمباحث الأخری التي تمّ طرحها سابقاً في هذه الدورة. في الحقیقة، یأتي هذا المحور من الدورة كامتداد للمحاور السابقة، لأنّ الثورة الإسلامیة مبنیّة تماماً علی نفس الأسس الفکرية والعقائدية والقرآنیة التي تعرّفنا علیها في کتاب "مشروع الفکر الإسلامي في القرآن" ضمن المحور الأول من الدورة، وکما أشار سماحة القائد، تلك المحاضرات التي ألقاها سماحته في مسجد الإمام الحسن علیه السلام في مدینة مشهد المقدسة قبل حوالي 5 سنوات من انتصار الثورة الإسلامیة، كانت في الحقیقة تهدف إلی تبیین وتوضیح المبادئ الفکریة والعقائدية للثورة.
وکذلك جاءت هذه الثورة كاستكمال لحرکة أهل البیت علیهم السلام ونصرةً لمشروعهم الإلهي الذي تعرّفنا عليه أكثر في کتاب "الحسین مسیرة متواصلة" ضمن المحور الثاني في الدورة، وکما نعرف، هذه الثورة ترید أن تمهّد لظهور الإمام الحجّة أرواحنا فداه من خلال بناء حضارة إسلامیة حدیثة. إذاً من الأفضل قبل البدء بمتابعة هذه الحلقات التي سوف نتحدّث فیها عن الثورة الإسلامیة في فکر الإمام الخامنئي، أن تراجعوا تلك الأبحاث وأن تستحضروا في ذهنکم ما تعلّمناه هناك، لأنّها مرتبطة تماماً بمباحثنا هذه، بل هي مقدّمة ضروریة لمعرفة مفهوم الثورة الإسلامیة لدی سماحة القائد.
النقطة الثالثة هي تأکید الإمام الخامنئي علی ضرورة إلقاء نظرة شاملة واستيعابية لفهم الثورة وتحلیل الثورة. الرؤية الضیّقة والنظرة المستغرقة في الأحداث الصغیرة والمنعطفات المقطعیة لیست معبِّرة ودقیقة جدّاً. فائدة النظرة الشاملة والاستيعابية هي أنها تساعدنا علی فهم الأمور بطریقة استراتیجیة، وتُجَنّبُنا الوقوع في الأخطاء. لأنّ النظرة الجزئية وعدم رؤیة المسار العام من بدایته لنهایته تؤدّي أحیاناً إلی تضلیل الإنسان.
نقصد هنا من هذه النظرة الشاملة والاستيعابية: أوّلاً، النظر إلی جمیع العناصر والعوامل المتصلة بمفهوم الثورة والمؤثرة فيه من المحفّزات والأرضیات والأهداف والقیم والمراحل والخطوات وأصحاب الدور فیها وأنواع العداء تجاهها والمشاكل التي تعترضها وسرّ انتصاراتها وکلّ شيء آخر من هذا القبیل وفي هذا السیاق، ونحن إن شاء الله سنحاول أن نتطرّق إلی کل هذه العناوین العامة في بحثنا حول الثورة.
ثانیاً، نقصد في النظرة الشاملة ملاحظة العوامل المعنویة إلی جانب العوامل المادية في تحلیل الثورة. لأنّه من الأخطاء الرائجة في التحلیل أن یبقی الإنسان محبوساً فی إطار العوامل المادیة والأسباب المحسوسة فقط، بمعنی أن یتجاهل العوامل المعنویة والسنن الإلهیة والأمور التي قد لا تُری بالأعین.
ولذلك نری أنّ أعداء الثورة کثیراً ما یقعون في الخطأ في تحلیلاتهم وتوقّعاتهم حول الثورة. لکن في المقابل، نجد أنّ سماحة الإمام الخامنئي یتمتّع بهذه النظرة الشاملة و بهذه الرؤیة الاستراتیجیة الدقیقة، ولدیه هذا الإیمان العمیق بالعوامل المعنویة والسنن الإلهیة في تحلیله للثورة ولأحداث العالم.
النقطة الرابعة في هذه الجلسة هي أنّه لا بدّ من الاعتراف بأنّه ومع انتصار الثورة الإسلامیة في إیران قد بدأ عهدٌ عالميٌ جدید، شاء العالم المادي أم أبی، وشاءت أمریکا أم أبت. یقول الإمام الخامنئي: "یومَ کان العالم مُقسَّماً بین المعسكر الشّرقي والمعسكر الغربي المادیّین، ولم یکن أحد یتصوّر وقوع نهضة دینیّة کبری، نزلت الثورة الإسلامیة إلی الساحة باقتدار وعظمة، وحطّمت الأطر التقلیدیة وأثبتت للعالم اهتراء الطروحات والصيغ الفكريّة النمطيّة؛ وطرحت الدین والدّنیا إلی جانب بعضِهما البعض، وأعلنت عن بدایة عصر جدید".
حسناً، هذه الظاهرة الجدیدة استطاعت أن تستقطب قلوب الشعوب المستضعفة في العالم، وأصبح المفکّرون والباحثون یکتبون عنها ویتحدّثون حول تأثیراتها علی الخارطة السیاسیة في العالم. لکن في المقابل شاهدنا ردود أفعال مختلفة صدرت عن القوی المستکبرة وأصحاب القرار في نظام الهیمنة، من إنکار هذا العهد العالمی الجدید إلی بذل الجهود لمنع توسّع هذه الظاهرة العالمیة. یقول الإمام الخامنئي: "کان من الطبیعي أن یُبدي زعماء الضّلال والجور ردّات فعل، غیر أنّ ردّات الفعل هذه کُتب لها الإخفاق. وعلى الرغم من کلّ ما قام به الیسار والیمین الحداثويّان من التظاهر بعدم سماع هذا الصوت الجدید والمختلف، إلی السعي الواسع والمتنوّع لإخماده، إلّا أنّهما اقتربا من أجلهما المحتوم. والآن زال أحد قطبي العداء المذکورین، وراح الآخر یتخبّط في مشاكل تنمّ عن قرب احتضاره! أما الثّورة الإسلامیّة فلا تزال تواصل تقدّمها إلی الأمام محافِظةً علی شعاراتها والالتزام بها".
النقطة الخامسة والأخیرة في هذه الحلقة هي تحديد المصادر الأساسیة التي سنستند إليها في هذه السلسلة من الدروس. في الحقیقة، أنا العبد استفدت في إعداد هذه الدروس من مجموعة متنوعة من خطابات ومحاضرات سماحة الإمام الخامنئي حول مفهوم الثورة الإسلامیة خلال السنوات الماضیة، وفي کثیر من الأحیان سأقرأ لکم نصّ هذه المقاطع والخطابات بعیداً عن قرائتي الشخصیّة. لکن بشکل أساسي ومبدئي، سنستفید في هذه الجلسات من بیانین مفصّلیين ومهمّین جداً کتبهما سماحة الإمام الخامنئي حول الثورة الإسلامیة وقدّم فیهما رؤیته الاستراتیجیة حول الثورة.
البیان الأوّل هو رسالة کتبها سماحة القائد بمناسبة الذکری السنویة الأولی لرحیل الإمام الخمیني رضوان الله تعالی علیه، والتي أصبحت معروفة باسم "تبیان العهد المشترك". یعني بعد سنة من استلام القائد قیادة الثورة جاء وشرح لنا کیف یقرأ الثورة، وقال لنا ما هي هذه الثورة ومن أین بدأت وکیف نشأت وکیف انتصرت وما هي أهدافها وقیمها وآفّاتها وآفاقها ومستقبلها.
أمّا البیان الثاني هو رسالة أخری کتبها سماحة الإمام الخامنئي بعد ثلاثین سنة من الرسالة الأولی بمناسبة الذکری الأربعین لانتصار الثورة الإسلامیة، والتي أصبحت معروفة باسم "بیان الخطوة الثانیة للثورة الإسلامیة". في هذا البیان المهم والاستراتیجي أوّلاً یقدّم لنا سماحة القائد قرائته الواقعیة والدقیقة عن أربعین سنة مضت علی الثورة کالخطوة الأولی للثورة، ثمّ یشرح لنا الخطوة الثانیة التي ینبغي أن نخطوها في هذا الطریق خلال السنوات الأربعين القادمة لکي نصل إلی أهداف الثورة ونمهّد إن شاء الله لبزوغ شمس الولي الأعظم أرواحنا فداه کما یعبّر سماحة القائد في هذا البیان.
أیضاً إلی جانب هذین البیانین من المفید أن تراجعوا کتاب "العهد العالمي الجدید" من إصدارات "دار الثورة الإسلامیة" لتطّلعوا علی أفکار الإمام الخامنئي حول الثورة الإسلامیة وتأثیراتها علی الخارطة السیاسیة في العالم.
ترقبوا الحلقة الثانية غداً
الكاتب: السيد كميل باقر زاده