صنّف مؤشر الثروات والأصول، آركيدس، السعودية كأغنى دول الشرق الأوسط، حيث تصل ثروة الممتلكات المبنية فيها إلى 3.15 ترليون دولار. كما تمتلك المملكة التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، ما يتجاوز الـ 500 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي. فيما تشير منصة TRT WORLDفي تقرير لها في أيار/ مايو عام 2020، إلى ان "ثروة العائلة المالكة السعودية تبلغ 1.4 تريليون دولار وهو ما يزيد بمقدار 16 مرة عن ثروة العائلة المالكة البريطانية". إلا ان هذا القناع الذهبي الضخم الذي تطل فيه الرياض على الساحة الدولية، يخفي خلفه فقراً بلغت نسبته 25%.
خلال العقود الماضية، لم يقم النظام السعودي، سوى بالقليل لتخفيف مستوى الفقر في المملكة. وقد كان من اللافت الإصرار على انكار الواقع في علاج المشكلة. حيث يتجنب المسؤولون السعوديون استخدام كلمة "فقير" في البيانات العامة ويستبدلونها بكلمة "المحتاجون أو الأسر ذات الدخل المنخفض".
وبحسب أطروحة دكتوراه في قسم الاقتصاد عام 2020، في جامعة هانوفر الألمانية، حول "الفقر في السعودية"، فإن "المحددات الرئيسية للفقر هي البطالة ومحدودية التعليم". إلى جانب ذلك، فإن كبر حجم الأسرة وعدم كفاية رأس المال يزيد من خطر أن تصبح الأسرة فقيرة. وتشير الأطروحة إلى ان مدفوعات الرعاية الاجتماعية تنتشل ثلث الأسر الفقيرة من براثن الفقر. ومع ذلك، فإن حوالي 15٪ من الأسر الفقيرة لا تتلقى أي دعم. كما يتم استبعاد الأسر التي ليس لديها بطاقة هوية وطنية من الرعاية الاجتماعية.
في ظل حكم سلمان بن عبد العزيز والمشروع الإصلاحي لابنه ولي العهد محمد، لم يكن الوضع مختلفًا. وعلى الرغم من إطلاق الأخير، رؤية 2030، فمن غير المرجح أن تساعد في النهوض بالفقراء فحسب، بل ستدفع نحو اتخاذ إجراءات التقشف التي تأتي معها أجزاء من الطبقة الوسطى إلى براثن الفقر. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2017، كانت تدابير مكافحة الفقر التي اتخذتها الحكومة السعودية على مدى العقد الماضي "غير فعالة وغير مستدامة وسيئة التنسيق، وقبل كل شيء، غير ناجحة في توفير الحماية الاجتماعية الشاملة لمن هم في أمس الحاجة إليها".
في عام 2011، تم اعتقال فراس بقنا وحسام الدرويش لنشرهما فيديو يوثق الظروف المعيشية الصعبة في حي الجرادية الفقير في الرياض. وفي عام 2013، أضرم بائع البطيخ محمد الحريصي النار في نفسه، بعد أن قيل له إنه ليس لديه إذن لبيع منتجاته في زاوية شارع في حي فقير في العاصمة.
عندما تولى الملك سلمان السلطة في عام 2015، كان الاقتصاد السعودي يمر بصدمة هبوط كبير في أسعار النفط. في غضون أشهر، انخفض سعر النفط من 100 دولار إلى 50 دولاراً للبرميل، مما قلص نصف أرباح تصدير النفط، والتي شكلت حوالي 87% من إيرادات الميزانية السعودية.
وبحسب الصحفية Hana Al-Khamri، المقيمة في السويد، فقد احتاجت المملكة إلى اتخاذ تدابير تقشفية كبيرة وقرر الملك تمكين ابنه محمد لقيادتها. في عام 2016، أعلن ولي ولي العهد آنذاك عن رؤية 2030، وهو مشروع إصلاحي يستند إلى تقرير صادر عن شركة الاستشارات الأمريكية ماكينزي المثيرة للجدل. الركيزة الأساسية للمشروع هي خصخصة أرامكو. لكن المبادرات الاقتصادية الأقل شهرة تشمل خصخصة مؤسسات الخدمة العامة المهمة، مثل المستشفيات والمدارس، وخفض التوظيف في القطاع العام وزيادة الضرائب. ويعمل حالياً ثلثا السعوديين العاملين في الدولة. بموجب رؤية 2030، من المفترض أن تنخفض إلى 20 بالمائة.
بعد فترة وجيزة من الإعلان عن المشروع، بدأ محمد بن سلمان في تطبيق بعض أقسى أحكامه. في أيلول/ سبتمبر 2016، أعلنت الحكومة عن تخفيضات في رواتب موظفي القطاع العام. فيما أصدر بعد ذلك بعام واحد، جدولا زمنيا لخفض الدعم للوقود والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه على مدى السنوات القليلة المقبلة. في عام 2018، فرضت الحكومة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%على معظم السلع والخدمات.
أدت هذه القرارات الاقتصادية إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود، الأمر الذي لم يؤثر فقط على الفقراء السعوديين، بل أثر أيضًا على الطبقات الوسطى. وجدت الأسر المعيشية ذات الدخل المتوسط المفاجئ نفسها غير قادرة على دفع تكاليف السكن واحتياجاتها الأساسية. تسبب هذا في موجة من الغضب العام وهروب رأس المال. قرر العديد من السعوديين ليس فقط تحويل الأموال إلى خارج البلاد بل التفكير في الهجرة أيضاً.
ويقول المحامي يحيى الشهراني، في هذا الصدد، أنه "إذا كانت الحكومة تريد حقاً حماية الفقراء، لفرضت ضرائب على الأغنياء بدلاً من فرض ضريبة ثابتة على الجميع".
الكاتب: غرفة التحرير