برعاية الأمم المتحدة، ودون توقيع مباشر بين الطرفين، وقع لبنان على تفاهم مع كيان الاحتلال بشأن ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين. وتأتي هذه الخطوة بعد رفض إسرائيلي واسع لما أسماه البعض "تنازل كبير لحزب الله". في حين تقول صحيفة معاريف العبرية ان "التنازل عن السيادة في الشاطئ الشمالي للدولة هو سابقة خطيرة قد تكرر نفسها في الشاطئ الجنوبي مع حماس".
النص المترجم:
بعد أن لم تمنع محكمة العدل العليا اتفاق الغاز مع لبنان، ستتنازل الحكومة الانتقالية هذا الأسبوع عن مساحة سيادية لدولة إسرائيل وعن مصالح سياسية واقتصادية أخرى. يبقى السؤال: لماذا نجدها متسرعة لإقراره بهذا الشكل مثل سراقين ليليين، في ظل إخضاع القواعد الدارجة لإقرار الاتفاقات الدولية؟ رئيسة المحكمة العليا استر حايوت كانت محقة ظاهراً حين قالت، بخلاف رأي المستشارة القانونية للكنيست، إن الاتفاقات السياسية غير واجبة إقرار الكنيست، لكنها لم تكن دقيقة لأنها لم تتناول حقيقة أن الاتفاقات ذات الأهمية الكبيرة للدولة، وفقاً للعرف والتقاليد الإسرائيلية، تطرح بالفعل على الكنيست لإقرارها، وهكذا تصرفت كل حكومات إسرائيل في الماضي. كما أن القانون الإسرائيلي لا يتنكر للتقاليد القانونية البريطانية التي تقضي بأن للعرف مكانة ملزمة.
للأهمية التاريخية من جهة ولتفكيك المستوطنات من سيناء من جهة أخرى، طرح مناحيم بيغن في حينه اتفاق السلام مع مصر على الكنيست لإقراره رغم عدم الحاجة إلى ذلك. ولأسباب مشابهة، طرح إسحق رابين اتفاق أوسلو على الكنيست لإقراره. اتفاق السلام مع الأردن أقر قانونياً في الكنيست لأنه تضمن تنازلاً، وإن كان طفيفاً، عن أرض سيادية. أحد أسباب محاولة الحكومة خلق حقيقة ناجزة في موضوع اتفاق الغاز، يرتبط على ما يبدو بالانتخابات، لكن قد يكون هذا مساومة مغلوطة؛ إذ إنه وحسب الاستطلاعات، لا توجد أغلبية في الجمهور تؤيده. وثمة سبب آخر هو إرضاء إدارة بايدن التي لها مصلحة سياسية عاجلة في إظهار الإنجازات في مجال السياسة الخارجية بعامة والطاقة بخاصة. في ضوء العلاقات الحيوية مع الولايات المتحدة، لا مانع من الاستجابة الإسرائيلية للمصالح الأمريكية بعد فحص الخيارات والنقاش الجذري مع الإدارة، لكن الحكومة خرجت عن طورها في موضوع اتفاق الغاز كي لا تنحرف حتى بسنتمتر واحد عن المواقف الأمريكية.
كان السبب الأساس لخطوات الحكومة على ما يبدو التخوف من اشتعال أمني مع “حزب الله”، وهو اعتبار كان يمكنه أن يكون شرعياً لو بقي في السر، لكن ارتعاد مفاصل الحكومة العلني يشكل دعوة مفتوحة لـ "حزب الله" لأن يهدد إسرائيل ما أراد ذلك وحين يكون هذا مناسباً لطهران. ومثلما كتب الشاعر اليهودي العظيم هاينرخ هايني، في حينه: "الغبي وحده يكشف أمام العدو نقاط ضعفه". لقد حاولت الحكومة أن تخدع الجمهور من خلال "رفضها الحازم" للتعديلات اللبنانية والإعلانات عن الاستعداد الأمني في الشمال، لكن لم يشترِ هذا أحد، بمن في ذلك "حزب الله".
في ختام الأمر، في الاتفاق ربح تكتيكي قصير المدى، لكن فيه خسارة استراتيجية واضحة. فهذا ليس اتفاق سلام أو حتى تطبيع علاقات. يبقى لبنان دولة عدو، والعنصر السياسي والعسكري السائد فيه، حزب الله، لا يغير نواياه تجاه إسرائيل ولا يقلل ترسانة صواريخه ضدها. من يعتقد أن “حزب الله” لا يمكنه أن يضع يده على الأموال التي ستضخ من حقول الغاز نسي أن لا طعم للمال أو رائحة، ولا يمكن لأي معاهدة أو وثيقة قانونية أن تمنع ضخ قسم منه في صندوق حزب الله. وحتى "الضمانات الأمريكية" ليس لها معنى كبير: ماذا سيفعلون إذا ما أطلق حزب الله الصواريخ؟ أما الوعد بإشراك إسرائيل في أجزاء من مردودات حقول الغاز في المنطقة التي نقلت إلى لبنان فيمكن تسجيله على الجليد. المياه الإقليمية في الشاطئ الشمالي أمام لبنان التي توشك إسرائيل على نقل 100 في المئة منها إلى لبنان هي مساحة سيادية كاملة حسب القانون الدولي وميثاق البحور للأمم المتحدة من العام 1982، وليس صدفة أنها تسمى أيضاً مياهاً سيادية تنطبق عليها كل القوانين التي تنطبق على أي مساحة سيادية أخرى.
إن تجاهل الحكومة والمستشارة القانوني لذلك هو استخفاف بالقانون والعرف القائم الذي يحظر التنازل عن مساحات سياسية دون إقرار الكنيست وإجراء استفتاء شعبي. من يشبه هذا باتفاق ميونخ يخطئ؛ إذ إن بريطانيا وفرنسا في الاتفاق إياه تنازلتا عن أرض لدولة أخرى هي تشيكوسلوفاكيا وليس عن أرض سيادية لهما. إن التنازل عن السيادة في الشاطئ الشمالي للدولة هو سابقة خطيرة قد تكرر نفسها في الشاطئ الجنوبي مع حماس.
الكاتب: زلمان شوفال