تقترب الأيام الأولى من أيلول. وكمَن بات يتعامل مع هذا الشهر كالصندوق الأسود الملاصق للأزمات وحالات الطوارئ، تتصرف إسرائيل بحذر شديد، مع كل إشارة او رسالة تصلها من القنوات الدبلوماسية والاستخباراتية، قلقاً من أي مفاجأة. ليس هناك مجال للخطأ. والاستخراج الذي كانت تُطبق عليه إسرائيل أسنانها كفريسة سهلة، وعملت للتحضير له 15 عاماً، تحوّل اليوم، لحدث "الله أعلم شو ممكن يعمل بالمنطقة" وقد يقلب "الطاولة على العالم كلها"، وفق ما هدد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب تلفزيوني في ذكرى الـ 16 لحرب تموز 2006.
نقلت قناة 12 العبرية، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم عن "تأجيل بدء أعمال الحفر في منصة الحفر إلى شهر تشرين الأول/ أكتوبر، بدلاً من بداية أيلول/سبتمبر، وبحسب مصادر مطلعة بالنسبة للقناة، فإن السبب يعود لـ"مشاكل فنية". تحاول إسرائيل إذاً، شراء الوقت. وما تدركه جيداً، ان ثمن ذلك سيكون مرتفعاً، كلما اقترب الزمان من أيلول. وفي حين لفتت القناة إلى ان "اسرائيل ستحاول في هذا الوقت التوصل الى اتفاق مع لبنان في ظل الخوف من تهديدات حزب الله"، يصل الوسيط الأميركي بشأن ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، آموس هوكشتاين، إلى بيروت في الأيام المقبلة دون التأكد من انه يحمل بحوزته جديداً.
وفي ظل تأكيد السيد نصرالله على عدم السماح للمناورات الإسرائيلية هذه، بتفويت "الفرصة الذهبية" التي ترتكز على الحاجة الغربية للنفط وعدم رغبة الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل في التصعيد العسكري، فإن استمرار الأخيرة بالمماطلة، سيفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، كان قد حذّر منها السيد نصرالله في إعلانه عن معادلة "كاريش. وما بعد كاريش. وما بعد ما بعد كاريش".
هل تدخل قناة السويس دائرة النار؟
لا نقاش حول تراتبية مستوى التصعيد ان حصل. يوافق الجميع على ان الحزب، لن يذهب لقصف المنصات في كاريش بالصواريخ الدقيقة كورقة أولى. وهو سيلجأ إلى استثمار كل الأساليب المتاحة تدريجياً بما يتناسب مع الرد الإسرائيلي خطوة بخطوة. فماذا لو أقدمت إسرائيل فعلاً -وهي على أبواب انتخابات يتحمس فيها المسؤولون لجني نقاط رابحة- على عمل غير محسوب الخطوات؟ عندها سنكون أمام أحد السيناريوهات التالية:
-بدء الاستخراج من الحقول الأخرى واستبعاد كاريش، ومواصلة التسويف لكسب الوقت، وهو ما أشار إليه السيد نصرالله بقوله "هناك فرضية أن يأتي الإسرائيلي ويقول دعونا نجمّد استخراج النفط والغاز من كاريش وخلاص لا مشكلة، هنا يكون لبنان قام بنصر معنوي أنه نعم نحن منعنا استخراج النفط والغاز من كاريش، لكن ماذا نكون قد حصّلنا؟ لا شيء". عندها سنكون أمام مشهد "ناري" حول منصات الاستخراج، بما يكفي لإقصاء أي شركة تنقيب، ويضع "كل الحقول في دائرة تهديد: الحقول التي تستخرج منها الآن وتبيع، والحقول التي لا تزال تحفر بها وتنقب، والحقول المُجمّدة".
-استهداف إسرائيل للبنى التحتية اللبنانية، سيقابله بالضرورة استهداف لتل أبيب. وحسب المعادلة التي رسمها السيد نصرالله في 16 شباط/ فبراير عام 2010، فإن "مطار بن غوريون مقابل مطار رفيق الحريري. وكل مبنى تدمره إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت، سيقابله تدمير مبانٍ في تل أبيب".
-توجه إسرائيل لمعركة مفتوحة بعد عجزها على ضبط المواجهة بـ "أيام قتالية"، يعني ان مروحة اهداف المقاومة ستتوسع لتشمل الموانئ الإسرائيلية والمنشآت الحيوية، والمصالح الاقتصادية للكيان في أبعد نقطة تحقيقاً لمعادلة "ما بعد، ما بعد كاريش" التي يمكن ان تكون في قناة السويس، حسب ما يرى خبراء، التي يعبر منها أكثر من 19 ألف سفينة سنوياً، ومنها إسرائيلية وأميركية او تابعة لهما، مع قدرتها على ذلك. إذ تتراوح المسافة بين الجنوب اللبناني -كخط نار- ما بين 340 كلم و442 كلم في أبعد نقطة. وبالتالي، فإن الحزب يملك قدرة تدمير الأهداف الإسرائيلية فيها بالصواريخ الباليستية أو بالطائرات المسيرة كطائرة "شاهد 126".
على ما يبدو ان إسرائيل، لا تريد حرباً. وقد يأتي قرار تأجيل التنقيب، إما في إطار إعطاء مزيد من الوقت لهوكشتاين عله ينتزع تنازلاً من الجانب اللبناني الذي يفاوض من موقع القوة، أو تسويفاً لأجل تطيير المفاوضات، وهو ما يفتح الباب امام احتمالات المواجهة التي باتت أقرب من أي وقت مضى. لكن هذه المرة، قد لا تقتصر على الأراضي اللبنانية وحسب، بل ستضم العمق الفلسطيني المحتل ايضاً.
الكاتب: مريم السبلاني