جامعة الدول العربية، بيت العرب، وهو بيت بمنازل كثيرة. هذا البيت الذي جمع العرب بات موضعاً للتباين الفعلي بين الدول العربية، ومن تداعيات هذا التباين أنه يختزن شيئاً لنظرة الاعداء والأصدقاء وفقاً للمصالح القطرية بعدما غابت، أو غيبت، المصلحة العربية الجامعة، وغاب، أو غُيب بالتالي العدو الواحد المشترك.
فالعرب لم يتفقوا يوماً على عدو واحد؟ حيث كان لكل دولة عدواً متوهماً أو مفتعلاً. كما أن الجامعة العربية لم تعرف كيف تحدد اتجاه البوصلة نحو العدو الأخطر أي الكيان المؤقت.
تخبرنا كتب التاريخ المعاصر أن "إنكليز العرب" ناشدوا "عرب الإنكليز" في أوائل الاربعينيات أن يتكتلوا في كيان إقليمي رسمي غرضه الظاهر تجميع العرب الراغبين بالوحدة، وغرضه الباطن الحؤول دون قيام وحدة عربية قومية صحيحة، كانت المؤشرات تدل آنذاك على إمكان تحقيقها بضغط الشعور الوحدوي الناشط والفاعل في معظم الأقطار العربية.
المقصود بإنكليز العرب، العاملين في سلك المخابرات والقوات البريطانية وقتذاك، أمثال الجنرال سبيرز وغيره وعلى رأسهم وزير الخارجية أنطوني إيدن. أما عرب الإنكليز فهم بعض المسؤولين العرب الذين جاهروا بصداقة الحليف البريطاني، بعض وصل الى كراسي الحكم بفضل تدخل الحليف ومساعدته؛ أمثال مصطفى النحاس وأمين عثمان (مصر) ونوري السعيد (العراق) الملك عبد العزيز آل سعود (السعودية) وبشارة الخوري (لبنان) وغيرهم...
وأعلن في العام 1943 عن وضع بروتوكول الاسكندرية. وفي 22 آذار / مارس ولدت جامعة الدول العربية.
كان المقصد من إنشاء جامعة الدول العربية ألا يتوحد العرب، فهي لم تعمل على توحيدهم، وأريد منها أن تلهيهم عن مطلب الوحدة الحقيقية بأوهام وخيالات وحدوية، فصرفت ما يقارب نصف قرن تتغنى بالتعاون العربي المشترك. والمؤسف إنها استبدلت الفعل، بالكلام الفارغ ليس أكثر.
ما يلفت النظر ونحن نتأمل حال الجامعة العربية هو ضآلة ما تتمتع به من شعبية في الوطن العربي، ونظرة الشعوب العربية للجامعة نظرة يغلب عليها الاستهانة التي تصل حد اللامبالاة والاستهزاء وعدم الاقتناع بالجدوى أو الجدية مع شعور غير ودي. ويكفي هذا أن يكون سبباً للفتور إزاء ما يخصها أو تفعله.
مع الأسف، أن جامعة الدول العربية كانت غير قادرة على أن تحمل فكرة الوحدة العربية إلى غايتها العظيمة البعيدة وهي تحرير فلسطين. كانت عيون الشعوب العربية شاخصة نحو فلسطين، فخاب أملها، فالجامعة العربية كانت جامعة الحكومات وصالاتها، ولم تكن قادرة على الوصول أبعد من الممكن والمسموح.
لا شك أن الجامعة العربية تعكس الواقع العربي، فقد نشأت مع نشأة الأقطار العربية، أو بعضها نما حين كانت الأقطار تنمو، ضمرت حين ضمر النمو، أشتد عودها في ظل مشروع حضاري كان يتشكل، وتدهورت مع تدور القيم والأخلاق وتبعثرت السياسات هي تعددت مشاريع التخلف الطائفية والقبلية والمذهبية. ومن الظلم أن نطلب من جامعة الدول العربية ومؤسساتها أن تتخذ من المواقف ما لا يقدر المسؤولين في البلاد العربية على إتخاذه أو التفكير فيه.
جامعة الدول العربية، بين العرب المُتصدع، والمُعرض للإنتهاك وللتدخل الأجنبي، والسياسات العربية ترسم خارج العالم العربي، وبأجندات معادية تسعى إلى زرع الفتنة المذهبية وإنباتها خدمة للكيان المؤقت، ويزيد سياساتها في صهينة فلسطين المحتلة.
وتبقى الأسئلة الكبرى معلقة الإجابة ... فأين الجامعة العربية اليوم مما كتب في نص بروتوكول الاسكندرية "لا يجوز إتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أي دولة فيها"، وهذا ما كان في أسس ميثاقها!!؟؟
وما مصير معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي التي أبرمها العرب عام 1950؟ هل كانت معاهدة حبر على ورق ليس أكثر؟!
خالفت جامعة الدول العربية ميثاقها بسماحها تفكيك بنى الدولة في عدة بلدان عربية.
قد ينهار قريباً "بيت العرب المتصدع" إن لم يكن قد انهار بهدوء، على صخب ما يجري في العالم العربي من هرولة نحو كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي فشلت جامعة الدول العربية في مواجهته.
جامعة الدول العربية مشروع نشأ في غفلة...وها هو ينتهي على وقع قرقعة سلاح المقاومة والشعوب العربية، التي تقف على حدود فلسطين من لبنان الى سوريا واليمن...
الكاتب: غرفة التحرير