من موقع القوة والمعرفة بقدرات المقاومة، من صواريخ دقيقة الى مسيّرات و تشكيلات عسكرية وعديد يتجاوز الـ 100 ألف مقاتل، أطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التهديدات الواضحة للكيان المؤقت ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية التي تراوغ في ترسيم الحدود في البحر الأبيض المتوسّط.
اللافت أن حزب الله، الذي يحيي الذكرى الأربعين على تأسيسه، يبادر اليوم الى وضع خيار الحرب - المفتوحة على كل الخيارات البرية، البحرية، والجوية - على الطاولة إذا استمر الاعتداء الإسرائيلي على الحقول الواقعة في المساحة المتنازع عليها أو إذا تجرّأ الاحتلال على استخراج وبيع الغاز الى القارة الأوروبية متجاهلاً حقوق لبنان. وأمهل السيد نصر الله الصديق، للضغط من أجل الترسيم، و"العدو"، لكفّ يده وتقديم التنازلات، فترة زمنية لا تتجاوز شهر أيلول ("الفرصة الذهبية المتاحة الان أيضاً هي الان هذان الشهران") أي قبل دخول فصل الخريف حيث تسعى الدول الأوروبية لسدّ حاجاتها بالغاز قبل قدومه فيما يرى فيه الكيان فرصة يجب استغلالها لكسب أرباح اقتصادية وسياسية من تصدير هذه المادة.
أمّا مقابل التلكؤ عن حسم ملف الترسيم، سجّل السيد نصر الله معادلة "كاريش، ما بعد كاريش، وما بعد ما بعد كاريش" وهي معادلة استراتيجية ومتقدمة في تاريخ الصراع مع الكيان تحاكي المعادلة البرية "حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا" التي يعيش لبنان ذكرها الـ 16 في هذه الأيام.
ماذا يعني "ما بعد ما بعد كاريش"؟
أكّد السيد نصر الله أنه اطلع شخصياً على الخريطة البحرية، "اليوم أنا أخذت جدولاً من الاخوان من الجهات المعنية بالمقاومة، نحن نتابع كل ما يقابل الشواطئ الفلسطينية، كل الحقول والآبار والمنصات وبأسمائها وبإحداثياتها ومن يعمل ومن لا يعمل ومن بطور التنقيب ومن، كل التفاصيل نحن نتابعها وجاهزة عندنا".
بحسب الخرائط التي توضح توزّع الحقول في المياه الفلسطينية المحتلّة، فإن "ما بعد كاريش" يعني أن حقول "أثينا"، "تانين"، "دولفين" "ليفياثان" "داليت" و"أفروديت" باتت في مرمى نيران المقاومة وهي الحقول التي يرتكز عليها الاحتلال في استخراجه للغاز والنفط وتؤمن له حاجته الداخلية وتوفر له العائدات المالية. أمّا توسيع دائرة الاستهداف الى "ما بعد ما بعد كاريش" يهدّد الحقول الواقعة قبالة شواطئ عسقلان المحتلّة وغزّة، وأهمها "كيرين"، "نوا" و"ماري بي" التي، ان حدّدنا مدينة صور الجنوبية كنقطة إطلاق الصواريخ، فإن مياه غزّة تبعد حوالي 190 كلم.
على صعيد قدرات حزب الله العسكرية، فإنه يمتلك صواريخ بر – بحر قادرة على اجتياز تلك المسافة ومن بينها صاروخ "نور" (كروز مضاد للسفن إيراني الصنع، يتراوح مداه من 120 كيلومتر إلى أكثر من 220 كم)، وكان حزب الله قد استخدمه في قصف البارجة الإسرائيلية "ساعر 5" عام 2006. وتعترف أوساط الاحتلال بترسانة حزب الله البحرية وتتوقّع امتلاكه لصاروخ "ياخونت" (مجنح مضاد للسفن) الذي يستطيع ضرب أهداف على بعد 300 كليومتر وله ميزات خاصة تسمح له بتخطي الرادات. بالإضافة الى الزوارق والغواصات.
ومن ناحية ثانية، تفتح هذه المعادلة الباب أمام جبهة غزّة بالتحرّك أيضاً بحراً، خاصة مع الإعلان عن التنسيق المتقدّم بين حزب الله والفصائل الفلسطينية والكشف عن غرف العمليات المشتركة، فتعيد الاحتلال الى "كابوس" الجبهات المتعدّدة والموحّدة.
هذه المعادلة والقدرات وضعها السيد نصر الله برسم كيان الاحتلال الذي يمر بأزمة سياسية جديّة تنسحب على جيشه خاصة في مسألة تسمية خلف رئيس الأركان الحالي افيف كوخافي. كما برسم وزير حربه بيني غانتس الذي "يعرف أنّه يضحك على نفسه ويضحك على شعبه وناسه" (حسب ما وصّف السيد) بتصريحاته حول الجهوزية للحرب ضد حزب الله. كذلك يأتي تهديد نصر الله في وقت تضع فيه واشنطن الخيارات العسكرية في المنطقة في آخر القائمة بسبب حاجتها الملحة الى الغاز الشرق أوسطي.
الكاتب: غرفة التحرير