يتّجه الصراع العالمي اليوم نحو حرب الطاقة التي تتبلور معالمها في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في مياه البحر الأبيض المتوسط عند السواحل اللبنانية والفلسطينية المحتلّة. فبينما يطمع الكيان المؤقت الى احتكار تصدير الغاز الى القارة الأوروبية معتدياً على المساحة المتنازع عليها مع لبنان، وقاطعاً الطريق أمام البلد للاستفادة من عائدات هذه الثروة في ظلّ أصعب أزماته الاقتصادية والمالية، ترفع المقاومة من أسقف تهديداتها لحماية هذا الغاز اللبناني، ما يضع المنطقة بأكملها أمام مواجهةٍ مفتوحة على كلّ الخيارات.
جاء رئيس الموفد الأمريكي المفاوض عاموس هوكشتاين الى لبنان منتصف الشهر الماضي، وتبلّغ الموقف اللبناني الرسمي الذي أجمع على التمسّك بحقوق لبنان وثرواته البحرية، فيما أشارت تسريبات إعلامية الى أن الرؤساء الثلاث (الجمهورية، النواب، الوزراء) قدّموا خطاً ما بين الخطين 23 و29 يجعل حقل "قانا" كاملاً مقابل حقل "كاريش".
تطبيع وقضم مساحات!
مصادر مطّلعة على ملف ترسيم الحدود البحرية، كشفت لموقع "الخنادق" أن الرد الإسرائيلي الذي وصل شفهياً الى لبنان، فرض شروطاً مشبوهة في أبعادها لقبول هذا الطرح اللبناني! اشترط كيان الاحتلال لحصول لبنان على "قانا" خطاً متعرّجاً يقلّص من مساحة "الخط 23" ويقضم مساحة مئات الكيلومترات من "البلوك 8". وقد ردّت المصادر أسباب هذا الخط الى أن الاحتلال "سيستخدم هذه المساحة المجتزأة لتمرير أنابيبه وقد يكون لربطها مع قبرص". أما الشرط الأخطر الذي حمل رسائل تطبيع العلاقات الاقتصادية بين لبنان والكيان، فتقول المصادر أن " الكيان فرض منحه نسبة 30% من عائدات حقل "قانا" بعد التنقيب والاستخراج"!
في المقابل، كانت مسيّرات حزب الله الثلاث التي حلّقت فوق السفينة في مياه المتوسطّ لاستخراج الغاز من "كاريش"، الرّد الأولي على ضغوط الاحتلال، وقد شدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير (13 / 7/ 2022) على انه "من حقنا أن نقدم على أي خطوة في أي وقت نراه مناسبا وبالحجم المناسب وبالشكل المناسب والضغط على العدو لمصلحة المفاوضات والمفاوض اللبناني".
فحزب الله الذي لا يتدخّل في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية و"يقف خلف الدولة" في هذا الموضوع لا يمنعه ذلك من اتخاذ الموقف الحاسم والجريء أمام تهميش الاحتلال لحقوق لبنان البحرية وتهميش تموضعه في تصدير غاز الشرق الأوسط الى الدول الأوروبية. وأوضح السيد نصر الله أنه "لم نقل ابدا أننا خلف الدولة في الضغط على العدو، في أن نقدم على خطوات تخدم التفاوض، لم نقل ذلك على الإطلاق بل بالعكس قلنا إننا لن نقف مكتوفي الأيدي، إذا يجب ألا يخطئ أحد في فهمنا لهذا الموضوع".
المقاومة توسّع خيارات الرّد!
مع تجاوز حزب الله التهديد الفضفاض نحو رسم معادلة ردع جديدة تقضي باستهداف "ما بعد ما بعد كاريش" أشارت المصادر في حديثها "للخنادق" الى أن هذه المعادلة "قد لا يقيّدها استهداف حقول الاحتلال قبالة السواحل الفلسطينية المحتلّة بل قد تتعدّى ذلك بما يهدّد مصير ومسار الغاز في المنطقة"، وجعلت المصادر كل الخيارات ممكنة. فهل يستعدّ الاحتلال لدفع ثمن تعنّته في الاعتداء البحري على لبنان ويخسر حوالي 17 مليار دولار أنفقها على البنى التحتية الخاصة باستخراج الغاز؟ وهل يضحي باتفاقيات الغاز الموقعة مع الدول الأوروبية في القاهرة وبطموحاته المستقبلية؟ وما موقف الولايات المتحدة الامريكية من هذا الصراع؟ لن تطول المدّة (لا تتجاوز شهر أيول / سبتمبر المقبل) لمعرفة التوجّهات التي ستحكم المنطقة وتحسم الخيارات.
الكاتب: غرفة التحرير