مرتدٌّ سيؤم الحجاج في يوم عرفة، وفق فتوى كان قد أصدرها بنفسه. ففي إطار إجابته عن سؤال حول "حكم من قال ان اليهود والنصارى إخواننا؟"، يجيب الشيخ محمد العيسى: "مَن قال إنهم إخواننا فإنه مرتد...والكافر لا يكون أخا للمسلم...من قال بأن الله أمرنا بمودتهم فهو كاذب وقد كذب على الله". تبدّلٌ كبيرٌ طرأ على حال العيسى خلال مهلة قصيرة جداً بعد هذه الفتوى التي جاءت في 9 شباط/ فبراير عام 2019. حيث ان العيسى نفسه، وبعد حوالي 4 أشهر (في أيار/ مايو) توجه إلى الولايات المتحدة، حيث زار المتحف التذكاري "لمحرقة الهولوكست"، بناءً على دعوة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى". وخلال تلك الزيارة، جاهر العيسى بـ "ضرورة السلام مع إسرائيل" قائلاً: "متى حصل هذا الحل، سنذهب سوية لنبارك هذا السلام هناك. سيكون سلاماً شاملاً". وهو ما نال إعجاب وزارة خارجية الاحتلال التي احتفت بهذا الكلام عبر نشره على صفحتها الرسمية.
وعلى بُعد أقل من عام واحد (في 24 كانون الثاني/ يناير 2020)، زار معسكر "أوشفيتز" النازي، في بولندا، للمشاركة في الذكرى الـ 75 لتحرير سجنائه اليهود. وهي الخطوة التي أشاد بها الناطق الرسمي لجيش الاحتلال والمتحدث بالعربية بزعمه ان "هذا هو الإسلام الحقيقي، رجل الدين السعودي محمد العيسى وبعثته يصلون لذكرى ضحايا الهولوكوست اليهود في معسكر أوشفيتس... شاهدوا الفيديو واتعظوا، فالتآخي بين الديانات علّة كل خير!".
رعى ولي العهد محمد بن سلمان، وبشكل مباشر انتقال العيسي من ضفة إلى أخرى. وهو ليس تبدّل بنهج المملكة المطبّعة منذ ما قبل سبعينيات القرن الماضي، بل بإظهار هذا النوع من التغيير إلى العلن بهذه الطريقة. فيد بن سلمان الممتدة إلى كيان الاحتلال للمصافحة بانتظار اللحظة السياسية المناسبة. تستغل الفرص "بنَهم" جنياً للمكاسب ولتحضير الرأي العام لتلك الخطوة. وما جاء تعيين العيسى إماماً لصلاة عرفة، التي تعد أكبر تجمع لمسلمي العالم في كل عام ومن شتى أقطاب الأرض، بمختلف ثقافاتهم ومشاربهم، ما هو إلا استغلال مقيت لقدسية هذا اليوم ولهذا المكان، والدخول إلى التطبيع من البوابة الدينية، ووضع حوالي مليون مسلم -منهم 850 ألف حاج أتوا من الخارج- تحت الأمر الواقع، أي الصلاة خلف العيسى.
كان إعلان "رئاسة شؤون الحرمين" عبر صفحتها الرسمية بتويتر الثلاثاء الماضي، عن "صدور الموافقة السامية الكريمة على قيام معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى عضو هيئة كبار العلماء الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالخطبة والصلاة يوم عرفة بمسجد نمرة لهذا العام"، بمثابة قنبلة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالرواد الرافضين لاعتلائه المنبر في يوم عرفة. حيث وصل عدد المشاركين في حملة انزلوا_العيسى_من_المنبر إلى أكثر من 100 ألف خلال يومين.
وبينما اعتبر الكاتب السياسي السعودي، مشاري الذايدي، في مقال له في صحيفة الشرق الأوسط ان الرافضين لهذه الخطوة هم مَن وصفهم بـ "أنصار الإخوان والقاعدة وداعش"، متسائلاً عن سبب هذا الغضب؟ مضيفاً "الجواب المباشر، هو لأن الرجل يسعى لتكريس الخطاب المعتدل"، شن رئيس رابطة علماء المغرب العربي وعضو رابطة علماء المسلمين، الحسن بن علي الكتاني، هجوماً عنيفاً على العيسى بعد اختياره خطيباً في يوم عرفة، بقوله "هذا الطامة سيكون إمام المصلين يوم عرفة". مضيفاً "بهذا اكتملت الصورة في المملكة السعودية وذلك بتقريب مشايخ يرفعون لمصاف (كبار العلماء).. وهم ضالون مضلون واقعون في نواقض التوحيد الغليظة". في حين أصدر مفتي ليبيا، الشيخ صادق الغرياني، فتوى بحرمة الصلاة خلف العيسى: "لا تجوز الصلاة خلف خطيب عرفة، ويجب على الحجاج الصلاة في مخيماتهم".
الكاتب: مريم السبلاني