أزيح الستار يوم الاحد الماضي عن مباحثات جرت في بغداد بين مسؤولين ايرانيين وآخرين من السعودية خلال شهر ابريل الجاري . ليس مهماً نفي طهران والرياض هذه المباحثات ربما لاسباب فنية .. الا ان المصادر نقلت ان اجتماعاً حدث فعلاً في بغداد في اوائل الشهر الجاري بين مدير المخابرات السعودية خالد الحميدان وقائد قوة القدس الايراني اسماعيل قاآني . ورجحت هذه المصادر ان يُطلق على الاجتماع بــ « اللقاء » لانه لم يكن اجتماعا بمعنى هذه الكلمة اذ انه كان لقاء تعارف بالدرجة الاولى لمعرفة التوجهات العامة لكل جانب وامكانية الاستمرار في مثل هذه اللقاءات اوتطويرها لايجاد حل للملفات الشائكة في المنطقة وعودة الاوضاع الى حالة الامن والاستقرار .
المعلومات تحدثت عن اجواء ودية سادت اللقاء حيث تم الاتفاق على عقد اجتماعات مماثلة اضافة الى المساعدة في عقد اجتماعات على مستوى دبلوماسي .
هذه المعلومات ذكرت ان حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ودولة قطر ساهمت في عقد هذا اللقاء حيث لعب مستشار الامن القومي العراقي قاسم الاعرجي دورا مميزا لعقد اللقاء . وتضيف هذه المعلومات ان الكاظمي ابدى تحمسا كبيرا للعب دور مؤثر بعودة العلاقات الايرانية السعودية لاقتناعه ان مثل هذه العودة تساهم الى حد كبير في تهدئة الاجواءالامنية والسياسية داخل العراق .
زيارة مصطفى الكاظمي للسعودية في 31 مارس اذار الماضي ؛ والدور النشط الذي لعبته قطر على هذا الصعيد يؤشر على ان مسار تسوية معينة تلوح في الافق ؛ ولربما شهدت المنطقة خلال الاسابيع القادمة لقاءأت اكثر اهمية على اكثر من صعيد واكثر من دولة لحل الازمات العالقة في المنطقة .
حدث اللقاء الايراني السعودي وان كان مخابراتيا الا انه يعكس رغبة عامة بتجميع « لُحمة اقليمية » بالاستواء على نار هادئة . فالعلاقات العراقية المصرية الاردنية وان عارضها البعض الا انها تخدم الامن في الاقليم . وعودة قطر للحضن الخليجي لم تكن بعيدة عن هذه اللحمة التي بدأت الانوف تشم رائحة شوائها من مكان بعيد .
يبدو لي ان المنطقة تُرتب حالها لأحتضان اتفاق اكبر يجري التحضير له في العاصمة النمساوية فيينا بين ايران ومجموعة 4+1 . ما نسمعه من معلومات بشان حوارات فيينا يتحدث عن قناعة باتت حتمية لدى كافة الاطراف بضرورة « احياء الاتفاق النووي » من خلال عودة الولايات المتحدة لطاولة 5+1 . هذه القناعة تتحدث عن اقتناع جميع الاطراف بأهمية هذه الطاولة ليس على صعيد العلاقة بين هذه الاطراف وايران ؛ وانما انعكاس ذلك على الامن الاقليمي .
ان الولايات المتحدة وتحديداً ادارة الرئيس جو بايدن تعتقد ان تهدئة الملفات الساخنة في الشرق الاوسط لا يمكن لها ان تحدث الا عبر النافذة الايرانية « لانها اقصر وافضل الخيارات المطروحة » بعد ان طلبت الولايات المتحدة من «اسرائيل» التزام الصمت وعدم التهويل لتمرير خطة الرئيس بايدن بتفعيل العمل الدبلوماسي بعدما انّبتها على عملها في منشأة نطنز النووية الايرانية . «اسرائيل» التي « رقصت فرحا » بــ « اتفاقيات ابراهيم » تجد نفسها وحيدة حتى وان ضمنت لها مقعداً في القطار الشرق اوسطي ، لكنها بالتاكيد تعمل على عدم نجاح « الاتفاق النووي » الذي ترى فيه « محددا خطيرا لمصالحها القومية » .
خطوة مشجعة تحمل الكثير من الامل ان تساهم بغداد في مسار الامن الاقليمي ؛ وان تحتضن لقاءً مهماً في هذا المسار بعد ما اتعبتها الحروب والازمات والتوتر والارهاب . هذه الخطوة التي تحسب لحكومة الرئيس مصطفى الكاظمي لكنها تحسب ايضا للتضحيات التي قدمها ابناء الشعب العراقي وهم يخطون بصعوبة وألم في مسار الاستقرار والتنمية والتقدم .
المؤمل ان تستجيب الدول الاخرى للتطورات الجديدة التي تمر بها المنطقة . قلت في مقال سابق ان الولايات المتحدة ستعود لطاولة 5+1 . وسيتم احياء الاتفاق النووي . وهذا المسار سيتحقق حتى وإن كان بطيئاً .. الا انه سيكتمل في نهاية المطاف ، وان العام 2021 سيشهد الانفراجة التي لجمها الرئيس الامريكي السابق ترامب عندما انسحب من الاتفاق النووي .
يبدو لي ان الاخرين باتوا مقتنعين بأن وضع جميع البيض في السلة الامريكية لا يخلو من مخاطر ، وان الحوار مع دول المنطقة - وإن كان عصيّاً على البعض .. الا انه الطريق الاقصر لصون الارواح والاموال والبلدان .
في بعض الاحيان يحتاج السياسي الى « شجاعة » وليس الى « تهوّر » او « مجازفة » غير محسوبة النتائج ؛ من اجل تصحيح المسار ، وان هذا التصحيح يمكن ان يكون في اية مرحلة من المراحل وفي اي مفصل من المفاصل ؛ خاصة اذا اجاد فهم المتغيرات والتطورات الاقليمية والدولية.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع