اكتسب المشروع التركي زخمه الحالي بفعل التناقضات الدولية، إضافة الى لعب انقرة بورقة التنظيمات الارهابية من سوريا الى ليبيا لتوسيع نفوذها من خلال تطبيق العقيدة الأردوغانية في احياء الحقبة العثمانية.
وتزعم تركيا انها قادرة على احتكار القوة بفعل انتشار المليشيات المسلحة التي تدعمها وتعمل على شرعنة وجودها إما عبر غطاء ديني أو من خلال ادعاءات "الإرث العثماني" أو انطلاقا من روابط أيديولوجية تدين بها بعض تيارات الإسلام السياسي.
يبرز هامش التحرك التركي في العديد من الملفات الساخنة في المنطقة في احتكاك مع إيران وقوى محور المقاومة، حيث دخلت العلاقات التركية - الإيرانية مرحلة جديدة عنوانها " الابتعاد التركي التدريجي عن إيران" بناءا على متغيرات إقليمية عديدة. ويعتبر الملفان السوري واليمني من اهم الملفات التي قد تكون سببا رئيسيا في التباين والاختلاف في كيفية مقاربة تداعيات الازمتين.
يبدو ان العلاقات الاستراتيجية التي كانت تربط الطرفين التركي والإيراني رغم خلافاتهما في عدد من الملفات ستتأثر من الان فصاعدا، بسبب ازدياد حجم التناقض بين المصالح التركية والإيرانية في منطقة، والتي عادت تركيا لتعتبرها مساحة لنفوذها أيضا خاصة في سوريا والعراق ولبنان ومنطقة الخليج.
أن الإدارة الامريكية الجديدة حريصة على تخطي تجاوزات اردوغان الداخلية لتعيده الى جنة الحلفاء، وتفرض عليه اتخاذ تدابير جديدة للذهاب نحو مصالحات وتفاهمات مع حلفاء أمريكا الاخرين، وتجاوز الخلافات لأجل تحقيق المصالح المشتركة التي تغني الإدارة الامريكية الجديدة عن لعب دور فك الاشتباك السياسي وربما العسكري أحيانا. وذلك من منطلق رؤية امريكية جديدة للدور التركي على الساحة الإقليمية، ويبدو انه ثمة اتفاق على إعطاء تركيا فرصة جديدة للتحرك ليس فقط لمواجهة إيران في ملفات ساخنة ومهمة كتلك المتعلقة بسوريا او لبنان او اليمن او قوى المقاومة في فلسطين، وانما للتمركز على قاعدة ادارة النزاعات في الشرق الأوسط والمشاركة في تفاصيلها.
اٍنّ الحرص الأمريكي للبقاء في منطقة الشرق الأوسط خلق بدائل لمواجهة ما تسميه التمدد الإيراني ومحور المقاومة -الذي يعطّل المشاريع الامريكية - وهذا لن يحدث الا بصناعة تحالفات إقليمية بين حلفاء لها ومنهم تركيا (على الرغم من تضارب المصالح والاهداف وحتى الأدوات أحيانا)، لمواجهة ليس فقط إيران كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة وانما لمواجهة كل عناصر محور المقاومة التي نجحت في اسقاط الخرائط الاستراتيجية الجديدة للمنطقة وفق المنظور الأمريكي-الاسرائيلي.
ان المحافظة على التوازن الداخلي في ظل أزمات سياسية يواجهها النظام الاردوغاني، والبحث عن أدوات لإشغال الجيش التركي بعيدا عن المناكفات السياسية هي توجهات أساسية لنظام اردوغان، حيث يعتقد أن أكبر تحدٍ لحكمه، على الصعيد المحلي، هو كيفية احتواء المؤسسة العسكرية، وعلى الرغم من أن سيطرة الجناح الموالي له على المؤسسة العسكرية امر واضح وجلي؛ الا أنه لا يزال يعتقد أن إشغال أفرع الجيش المختلفة وتفريغ طاقتها في مشاريع وصراعات ومواجهات خارجية في ظل بيئة محلية مكتظة بالشعارات الشعبوية يمكن أن يضمن درجة عالية من الاستقرار للنظام. لذلك سعى الرئيس التركي إلى تعبئة طاقة المؤسسة العسكرية وتوجيه أنظارها أو "فائض قوة" لديها إلى الساحات الإقليمية المجاورة، هذا بالتزامن مع حشد الرأي العام المحلي لجعل هذا التوجه يبرر كأنه يأتي كدفاع عن المصالح القومية واستقرار الدولة وسلامتها، وليس محض الحفاظ على النظام السياسي وبقائه في مواجهة أي تهديدات منشأها الساحة المحلية والبيئة الداخلية.
الكاتب: غرفة التحرير