خلال مسيرة الأعلام التهويدية التي تقام بمناسبة يوم القدس حسب التقويم العبري، قام المستوطنون بكيل الشتائم للفلسطينيين، واللافت كان الإصرار على توجيه خطاب ديني متطرف مسّوا فيه بمقدسات الدين الإسلامي، ورسوله النبي محمد (ص)، حسبما وثّق مقطع فيديو انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثار سخط الجماهير العربية والإسلامية.
ليست المرة الأولى التي يتوجه بها المستوطنون بخطاب الكراهية هذا، خاصة أن جميع المشاركين بمسيرة الأعلام المزعومة، هم من خلفية دينية متطرفة، اعتادوا على استغلال أي حدث في الداخل لاستفزاز المقدسيين بشتى الطرق، ومن بينها الاعتداء اللفظي على المقدسات الإسلامية ورموز الدين الإسلامي عبر كيل الشتائم والترهات والمساس بشكل مباشر بالنبي محمد (ص).
منظمتان متطرفتان قادتا "مهرجان الابتذال" هذا، وحسب وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس فإنه قد سمع "هتافات تحريض مثيرة للغثيان من الجمهور اليهودي، وكوزير دفاع، أعتقد أن الوقت قد حان للنظر في تصنيف منظمتي لا فاميليا وليهافا كمنظمات إرهابية". مضيفاً "إنني أعلم أن هذا الموضوع قد تم طرحه مع المنظمات الأمنية وأنا على ثقة من أن رؤساء المنظمات سيأخذون في الاعتبار أنظف وأفضل طريقة ممكنة".
خطاب الكراهية للمستوطنين: يمس بأمن "إسرائيل"
تعي القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية حجم الاستفزاز الذي قد ينتج عنه اشتعال فتيل الحرب في أي لحظة، ويتسبب بهبّة فلسطينية في وجه تلك الاعتداءات، حيث توجه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بالقول: "ليس لدي شك في أنهما يضران بأمن إسرائيل، وأمنها الداخلي... أنوي التوجه إلى المدعية العامة غالي باهراف ميارا لبحث إمكانية حظر هاتين المنظمتين... حتى قبل أن أصبح وزيراً اتصلت بالمدعي العام لأجعله يفكر في إمكانية حظر لا فاميليا وليهافا".
بالنسبة لمنظمة لافاميليا فهي منظمة عنصرية يمينية متطرّفة، أسسها مجموعة من النشطاء اليهود الذين كانوا ينتمون لمنظمة "غوف هأريوت" وتعني "عرين الأسود"، تم الاعتراف بها رسمياً بعد عام على تأسيسها، أي عام 2006، بعدما قدمت نفسها على أنها رابطة مشجعي كرة القدم لفريق "بيتار القدس".
يعرف أعضاء هذه المنظمة بتوجهاتهم العنصرية ضد كل ما هو غير يهودي، وبشعاراتهم التي تمس بمقدسات العرب والمسلمين، والتي يرفعونها خاصة أثناء المباريات وخلال المسيرات التي تكون عمليات التكسير والاعتداءات والتخريب جزءاً من برنامجها، لكل ما يملكه الفلسطينيون ومن بينها الدكاكين والمحلات الصغيرة التي تشكّل مصدر عيش لهم. ومن بين أعضاء هذه المنظمة أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، وعضو الكنيست والوزيرة السابقة عن حزب الليكود ميري ريغف، والتي كانت قد عبّرت مراراً وفي أكثر من مناسبة عن إعجابها الكبير بهذه المنظمة.
تعتبر "لا فاميليا" واحدة من أهم العوامل التي تساهم بتأجيج الصراع بين المستوطنين والفلسطينيين بشكل عام، والمقدسيين خصوصاً، في ظل مساعيها الدائمة لتكون المنظمة الأكثر عنصرية وتطرفاً في العالم، و "المدافعة الأولى عن حقوق اليهود".
والجدير ذكره، ان رجل الأعمال الاماراتي، وأحد أفراد العائلة المالكة، حمد بن خليفة آل نهيان، اشترى 50% من أسهم هذا النادي، حيث وقّع، أواخر عام 2020، مع مالك النادي موشيه حوجيج، الذي توقع ان يدخل إلى النادي جراء هذه الصفقة ما يقارب 300 مليون شيكل ما يقارب 91.7 مليون دولار، حيث سيعمل آل نهيان على "الاستثمار في البنية التحتية والشباب وشراء لاعبين". وهذا ما عرضه للانتقادات حادة بعدما قام "بتطبيع الانتهاكات والإساءة لدينه أيضاً"، حسبما وصفه رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، يؤكد ان "انتشار ظاهرة المنظمات والجمعيات العنصرية والمتطرفة -والعنصرية والتطرّف هنا موجّهان ضد كل ما هو عربي بشكل رئيس- هي سمة ملازمة للمشروع الصهيوني منذ بدايته، ولاحقاً إسرائيل، كاستمرار، وكأداة تنفيذ للمشروع. وهذه الظواهر يُمكن تفسيرها بسهولة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار البنية الاستعمارية الاستيطانية الاحتلالية لهذه الدولة وجوهرها الذي يُسهم في إطلاق العنان لهذه المنظّمات، بل وشرعنتها في أغلب الأحيان، كونها لا تختلف معها من حيث الجوهر، وإن وِجدت بعض الاختلافات على صعيد الممارسات والسلوكيات".
تقبع "إسرائيل" على صفيح ساخن لم يبرد منذ ستينيات القرن الماضي، وفي ظل الحديث المستمر عن قرب موعد زوالها، والذي يوقن فيه كبار المفكرين واليهود والقادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، يأتي خطاب الكراهية القائم على الاستفزاز والابتذال ليعمّق بشكل مستمر، فجوة الصراع بين أهل الأرض والمستوطنين، وهو -بناء على ما شهدته معركة سيف القدس ومعادلات الردع التي ثبتت- يكون في سياق واحد نحو تقريب هذا الموعد.
الكاتب: غرفة التحرير