كلّ الاحتمالات كانت واردة لدى كيان الاحتلال، الذي عمل على بناء جيشه ومؤسسته الأمنية لتصبح الأولى في الشرق الأوسط، ما عدا "الطوفان" الدموي الذي يعيشه منذ صباح اليوم. طيلة أكثر من 17 عاماً، كان اقتراب أحد الفلسطينيين من سياج غلاف غزة محرّماً يُردي صاحبه، حتى استفاقت "إسرائيل" على سيطرة المقاومة الفلسطينية على مستوطنات وحواجز عسكرية تجاوز حدود الغلاف، مع أسر عشرات الجنود والمستوطنين والآليات العسكرية المدرعة وقوع عشرات القتلى في سابقة هي الأولى منذ قيام الكيان، فرضت بداية جديدة لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، اذ أن ما كان ينجزه المقاومون بأشهر عدة، أنجز اليوم بساعات الصباح الأولى والزخم لم يخف بعد.
لا تفاصيل عما يجري سوى أن الدم الفلسطيني الذي سفك طيلة أكثر من 60 عاماً يأخذ ثأره. سيل الأحداث المتسارعة على امتداد الخارطة الفلسطينية المحتلة يجعل من رصد المستجدات أمراً صعباً كما اعترفت وسائل الاعلام الإسرائيلية، خاصة مع تأكيدها على أن انتقال مراسليها من منطقة إلى أخرى بات خطِراً، نظراً لانتشار المقاومين الفلسطينيين في شوارع عدد من المناطق مع بدء عملية "طوفان الأقصى" التي سيطروا خلالها على عدد من مراكز الشرطة مثل مقر قيادة فرقة غزة وحاجز ايرز قرب بيت حانون.
قبل أيام نشرت صحيفة هآرتس العبرية مقالاً بعنوان "يجب على الإسرائيليين أخيراً الابتعاد عن صدمة حرب يوم الغفران"، خلّص إلى أنه "على الرغم من أن حرب يوم الغفران كانت درساً مستفاداً جيداً، إلا أن هناك الآن فرصة لإحالة تلك الصدمة إلى مكانها الصحيح في التاريخ". بعد أحداث اليوم، ستضطر إسرائيل على ما يبدو، إلى إحالة تلك الصدمة بالفعل، ليتسع التاريخ لمزيد من الصدمات. ويقول المراسل العسكري للقناة 12 نـيـر دڤـوري ضمن هذا الإطار، أن "كل الصواريخ والإجراءات المضادة لن تعيد الشعور بالأمن الذي فقده المواطنون بعد صور المهاجمين الذين يتسللون إلى سديروت".
كانت الصدمة التي أصابت المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية أكبر من أن يتم استيعابها وبالتالي التصرف السريع وفق "مقتضيات المصلحة". هذه العدوى انتقلت سريعاً إلى وسائل الاعلام التي لم يخرج إليها أي من المسؤولين -حتى اللحظة- ليخبر ماذا سيجري. وهو ما استنكره المراسل العسكري أمير بوخبوط: "الوحيد الذي يقف أمام الكاميرات مفوض الشرطة الإسرائيلية. أين القيادة. أين الجميع؟". من جهته نقل مراسل كان العبرية، كـارمـيـلا مـنـشـيـه، الصورة بدقة كما يرونها من داخل غرف الأخبار "محمد الضيف قاد عملية تضليل مذهلة... محمد الضيف الذي فشلنا عشرات المرات في اغتياله يقود المعركة حالياً في العمق". مؤكداً فشل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في تنبؤ ما كان قيد التحضير والذي أخفته فصائل المقاومة مجتمعة طيلة الفترة السابقة: "كل تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية كانت تشير الى أن حماس لا ترغب بالتصعيد".
تكتفي وسائل الاعلام بنقل أعداد القتلى والجرحى ورفع صوت المستوطنين لمراكز القرار الإسرائيلية والتي لا زالت تحت هول الصدمة. وتنقل صحيفة هآرتس عن رئيس بلدية في منطقة رهط قوله "هناك عشرة ملاجئ هنا في جميع أنحاء رهط، في منطقة 45,000 دونم"، وأضاف: "طلبت خمسين درعاً واقياً في الجولة السابقة من الصواريخ، أحضروا لي اثنين".
اعتادت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في مختلف جولات المعارك السابقة على إخفاء الخسائر والتعميم على وسائل الاعلام عدم التغطية بل الاكتفاء بما يصدر عن قيادة الجيش من إحصاءات ومشاهد. اليوم وعلى وقع المفاجأة التي لم تتلقفها إسرائيل حتى اللحظة، كانت صور القتلى والأسرى الإسرائيليين قد تصدرت "الترند" في الفضاء المجازي ووسائل التواصل الاجتماعي على امتداد المنطقة. حتى أن تقديرات عدد القتلى كانت تحدد قبل الإعلان عنها، كذلك الاقتحامات والسيطرة على المراكز والحواجز.