"بالنسبة لأولئك الذين يدركون تقوى الروح وصحتها والنضال المستمر لرجل الدين الثوري هذا، فإن غيابه يمثل خسارة مريرة وحزينة. مجموعة متنوعة من مجالات الصراع في هذا العالم الإلهي؛ علميًا وأخلاقيًا وثوريًا وسياسيًا وإداريًا، وكلها مصحوبة بالإخلاص والنقاء، جعلت منه شخصية فريدة. لطالما رأيت فيه الخير والتقوى خلال عقود من التعارف، وآمل أن يؤدي هذا الاحتياطي الثمين إلى رحمته ومغفرته وتعظيمه"، بهذه الكلمات المرفقة "بمزيد من الأسف" نعى الامام السيد علي الخامنئي الشيخ محمد الريشهري (الذي توفي اليوم عن عمر يناهز الـ76 عاماً) أحد الشخصيات العظام التي ارتبط اسمها بالثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية في بداياتها.
ولد الشيخ محمد محمدي ريشهري عام 1946 في مدينة "ري" في جنوب العاصمة الإيرانية طهران، لأسرة دينية متواضعة عاش طفولته في كنفها حتى أكمل دراسته الابتدائية، إلى ان التحق بالحوزة العلمية عام 1961، ليكمل دراسته الدينية ويتابع التدريس في آن معاً، حيث تلقى علومه على يد كبار الشخصيات مثل الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، الحاج السيد محمد باقر الطباطبائي السلطاني، والحاج ميرزا علي المشكيني.
أما في مرحلة "البحث الخارج" حضر الشيخ ريشهري دروس الاُصول والفقه عند الآيات العظام: الشيخ حسين الوحيد الخراساني، الحاجّ الشيخ محمّد علي الأراكي، الشيخ جواد التبريزي، السيّد محمّد رضا الگلپايگاني، والشيخ مرتضى الحائري.
لم يغادر الشيخ ريشهري مدينة قم إلا لفترات وجيزة بعد تضييق القوات التابعة لنظام الشاه عليه، ومنعه مرات عدة من إلقاء الخطابات المناهضة لسياسات الملك.
نال الشيخ الريشهري درجة "الاجتهاد المطلق" بعد 10 أعوام من متابعته للدراسات العليا، وحظي اجتهاده بتأييد قائد الثورة الاسلامية الإمام السيد روح الله الخميني، والامام السيد علي الخامنئي من خلال تنصيبه من قبلهما في مناصب مخصصة بإحراز الاجتهاد. هذا وقد اُجيز الشيخ الريشهري برواية الحديث من قبل كبار العلماء مثل السيد رضا بهاء الدّيني.
الشيخ الريشهري: العالِم الثوري
منذ بدء دراسته الحوزوية عرف الشيخ الريشهري، الامام الخميني وتأثر بأهدافه ومبادئه منذ انطلاقة الثورة عام 1963. ونتيجة مشاركته الفاعلة في الحديث عن انتهاكات النظام وعلاقته مع كيان الاحتلال المؤقت، إضافة لكل الاعتداءات التي يمارسها، اعتقله جهاز السافاك (الجهاز الأمني لنظام الشاه) وحكم عليه بالسجن.
لاحقاً، امتنع الشيخ الريشهري عن حضور جلسة محاكمته في محكمة الاستئناف التي أقيمت عليه من قبل الجهاز نفسه، وغادر إلى النجف الأشرف في العراق، ومكث فيها عدة سنوات، قبل أن يعود سنة 1965، واستقر في مشهد أقل من سنتين، ليكمل دراسته الحوزوية، لكنه لوحق من قبل جهاز السافاك واعتقل مرة أخرى.
عام 1977، أصدر النظام قراراً بمنعه من ارتقاء المنبر والقاء الخطابات، وجاء هذا القرار بعد خطاب ألقاه في حسينية الأصفهانيين في مدينة آبادان، عرّى فيها نظام الشاه وتحدث عن كل ما تود السلطة إخفاءه، لكنه لم يستجب لهذا القرار واستمر بنشاطاته السياسية وهو ما جعله من أبرز الشخصيات التي حظيت بتأييد جماهيري، وقادت التظاهرات الحاشدة خاصة في مشهد وهرمزكان ونهاوند وآبادان.
بعد انتصار الثورة تولى الشيخ الريشهري عدداً من المسؤوليات أهمها:
-حاكم الشرع في محاكم الثورة الإسلاميّة.
-وزير الأمن.
-رئيس محكمة الثورة في الجيش.
-المدّعي العام للبلاد.
-الأمين العام لرابطة الدفاع عن قيم الثورة الإسلاميّة.
-عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام.
-المتولّي لمشهد السيّد عبد العظيم الحسني في مدينة رّي.
-ممثّل أهالي طهران في مجلس خبراء القيادة.
-المدّعي العام للمحكمة الخاصّة بطلاّب الحوزة.
-ممثّل الولي الفقيه والمشرف على بعثة الحج.
-رئيس مؤسّسة دار الحديث العلميّة الثقافيّة.
-رئيس كلية علوم الحديث.
وللشيخ محمد الريشهري مؤلفات عديدة تعتبر مرجعاً لكبار العلماء والفقهاء وطلاب الحوزة في العالم الإسلامي منها:
-ميزان الحكمة -12 مجلد.
-حكم النبي الأعظم بأجزائه السبعة.
-موسوعة الامام علي (ع) بالكتاب والسنة والتاريخ.
-موسوعة الامام الحسين (ع) في الكتاب والسنة.
-موسوعة العقائد الإسلامية.
-فلسفة الوحي والنبوة.
-القيادة في الإسلام.
-الحوار بين الحضارات في الكتاب والسنة.
-المذكرات السياسية.
-ديمومة النهضة عند الامام علي (ع).
الكاتب: غرفة التحرير