أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى السنوات 43 الماضية أنها تهتم بأمن منطقة غرب آسيا أكثر من أي بلد آخر. وعمليًا لضمان أمنها وأمن دول المنطقة، تعاملت بشهامة وتفاعلت برفق مع الأصدقاء في سبيل ذلك. كما أرست حكومة آية الله السيد إبراهيم رئيسي الأسُس الدبلوماسية في سياستها الخارجية من خلال التركيز على سياسة "الجيران أولًا". على الرغم من أن "التطلع إلى الشرق" له أهمية كبيرة في تلك السياسة، إلا أن هذا لا يعني الابتعاد عن بقية العالم. بصرف النظر عن حقيقة أن جوهر خطاب إيران يستطيع أن يجذب الرأي العام في العالم بشكل واسع، ويمكن أن توفر هذه الجاذبية منصة للتفاوض والحوار مع العالم بأسره (باستثناء الوجود غير الشرعي للكيان الصهيوني). يبقى للجيران والدول المطلة على الخليج الفارسي وبحر عمّان أهمية خاصة في استراتيجية بلادنا الإقليمية.
النقطة المهمة، أن آخر زيارة للرئيس الايراني إلى قطر تعود إلى ما قبل 10 سنوات أي خلال رئاسة أحمدي نجاد، الآن وبعد عقد من الزمن، اجتمع قادة البلدين مرة أخرى في الدوحة على أعلى المستويات. وقد تضاعف اهتمام الإعلاميين والنشطاء السياسيين في المنطقة بزيارة "رئيسي" إلى دولة قطر. لسنوات عديدة، ومن أجل تحقيق مصالحه الاستعمارية ونهب ثروات المنطقة، نفّذ الغرب سياساته الاستعمارية القديمة المتمثلة في خلق الانقسامات والفتن بين الجيران، وغذّى سياسة "إيران فوبيا" بين الجيران جنوبي البلاد، على الرغم من اعلان إيران لأكثر من مرّة أن ضمان أمن المنطقة يجب أن يكون بالتعاون مع دول منطقة الخليج الفارسي. وبالتالي، فإن طهران مستعدة لإبرام اتفاقية الدفاع المشترك مع دول منطقة ووضع حد لجميع هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة.
ولعل نمط العلاقات بين طهران والدوحة، يمكن أن يكون نموذجاً للتعامل الثنائي والمتعدد الأطراف بين دول الخليج الفارسي. من جهة أخرى دأبت قطر على فرض نفسها بعنوان ناشط سياسي ولاعب اقليمي في التحولات الجيو- سياسية في المنطقة، الأمر الذي كان في بعض الحالات، يتعارض مع سياسات اللاعب التقليدي في المنطقة، أي السعودية. على مدى السنوات الماضية، حاولت الدوحة تحديد سياسة مستقلة ومحايدة تتماشى مع مصالحها الوطنية من خلال أخذ العبرة من بعض الأحداث، بما في ذلك الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته السعودية والإمارات عليها، وأيضًا من خلال التوترات في سوريا، استراتيجية لعب فيها تعزيز العلاقات مع طهران دوراً هاماً.
من الواضح أن الجوانب السياسية للمحادثات الإيرانية القطرية مهمة في خضم ذروة المحادثات النووية وإمكانية إحياء الاتفاق النووي "برجام"، لكن بالإضافة إلى أهمية التعاون السياسي والأمني، برزت امكانية تطوير العلاقات بين طهران والدوحة وتحسينها بشكل جذري خاصة في المجال الاقتصادي. كما يسعى كلا البلدين إلى تقليل اعتمادهما على الوقود الأحفوري وتنويع مصادر دخلهما، لكن العقوبات الأمريكية والتبادلات المالية الصعبة أعاقت التجارة بين البلدين.
حصة إيران الحالية من تجارة قطر الخارجية صغيرة جدًا وليست قريبة بأي حال من حجم العلاقات السياسية بين البلدين، فضلاً عن القدرات التجارية والصناعية والزراعية والتكنولوجية لإيران. ووفقًا لغرفة التجارة الدولية في طهران، في حزيران/ يونيو من هذا العام، فمن إجمالي 26 مليار و 700 مليون دولار من واردات قطر، كانت حصة إيران بين 350 و 360 مليون دولار، مما يدل على أنه حتى لو كان لدينا شراكة سياسية جيدة مع قطر، فإن علاقاتنا الاقتصادية دون المتوقع. ويفرض المنطق الاقتصادي أنه بالإضافة إلى العلاقات السياسية الثنائية مع قطر، يجب أن يصل حجم التبادل الاقتصادي مع هذا البلد إلى المستوى المطلوب.
طبعًا، نظرًا لقلة عدد سكان قطر وصغر سوقها الاستهلاكي وكذلك نظرًا لأن قطر ليست كالإمارات التي تعيد تصدير المنتجات، لا ينبغي أن ترتكز أهداف التعاون الاقتصادي على الصادرات إلى هذا البلد، بل أن أهم جزء من التعاون الاقتصادي معها، يجب أن يركز على جذب استثمارات كبيرة في مختلف الميادين الاقتصادية الفريدة لايران. لقد استثمرت قطر بالفعل مبلغًا كبيرًا من رأس مالها في مختلف البلدان وفي مختلف المجالات، وهو بالطبع أيضًا مربح جدًا لها.
إن تشجيع قطر واهتمامها بالاستثمارات الكبيرة هو نهج مهم للغاية، للاستثمار ولتصدير المواسم الفصلية مثل الفاكهة أو المكسرات، وما إلى ذلك، والذي يمكن أن يكون المفتاح لتحويل هذه العلاقات إلى علاقات استراتيجية طويلة الأمد.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: مستشار الرئيس والمدير العام للشؤون الدولية في الاذاعة والتلفزيون الإيراني
الكاتب: علي فهيم دانش