في الحادي عشر من شهر شباط عام 1979، انتصرت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الامام روح الله الخميني، وأطاحت بحكم الشاه – وكيل أمريكا وكيان الاحتلال – وحرّرت ثروات وخيرات البلاد من قبضة الغرب، كما أرجعت قرارها السياسي والدبلوماسي الى السيادة الإيرانية، ثمّ بنت قدرات عسكرية ونووية، وكذلك عملت على تطوّر تكنولوجي وسيبراني.
وأمام هذا الانتصار فرضت الولايات المتحدة منذ وقتها عقوبات على طهران واستخدمتها كورقة ضغط سياسي لإرجاع إيران الى أجندتها، الا ان الجمهورية الإسلامية استطاعت الالتفاف على تآمرات واشنطن، وأثبت نموذجاً ريادياً يحتذى به لمن أراد العيش بكرامة واستقلال.
فإلى أين وصلت قوّة الجمهورية الإسلامية اليوم؟
1. القوة السياسية:
عادة تتجه الانقلابات العسكرية او الثورات الى اعتماد منطق "شرعية القوة" والاتجاه الى إقامة الديكتاتوريات او الأنظمة الاستبدادية حيث تتجمع السلطة في يد واحدة تحت تسميات مختلفة لا يكون للشعب فيها دور أو تأثير. اما إيران فقد اعتمدت النظام الجمهوري منذ البدء وطبقته نصاً وروحاً وبنت الدولة العميقة القائمة على المؤسسات بقيادة رشيدة توجّه ولا تملك سلطات تنفيذية. وكان اختيار المسؤولين في السلطة على مختلف مستوياتها يتم دائماً بالانتخاب الشعبي المباشر او غير المباشر. ما جعل النظام السياسي مستجيبًا لقاعدة "الشعب يحكم نفسه". وهذا منتهى القوة للنظام السياسي.
2. القوة العسكرية الدفاعية:
كانت الدولة التي تحاول أن تتحرّر من السيطرة الأجنبية تجد نفسها محكومة بواقع الارتباط بسوق السلاح والنظام الاقتصادي العالمي الذي تسيطر عليه القوى "الحاكمة عالمياً" وبالتالي تجد نفسها مكرهة على الخضوع، أما إيران فقد وعت هذه الحقيقة واتجهت لبناء القوة الدفاعية الكفؤة والقادرة على حماية الثورة وحماية الشعب وحماية الدولة وتقديم الدعم لحركات التحرر العالمية عامة والإقليمية خاصة، وتوفير السلاح الكافي والملائم لكل ذلك عن طريقين: التصنيع العسكري المحلي الذاتي، والاستيراد من مصادر تسليح تتاح من دون شروط أو قيود. وقد نجحت ايران في اعتماد هذين المصدرين الى الحدّ الذي وصلت فيه الآن الى تحقيق مستوى ردع فاعل يدخلها في دائرة الطمأنينة.
3. القوة الاقتصادية:
من المعروف أن الاقتصاد والمال هو عصب الحياة وأن "مالك الرزق مالك العنق" ومن تحكم بلقمة عيشك أخضعك لإرادته بسهولة، وقد وعت إيران كل ذلك وجاءت سياسة الاحتواء والحصار والعقوبات الغربية لترفع مستوى الوعي الإيراني لهذه الحقيقة. ما جعل إيران تعتمد على مواردها وطاقاتها بشكل أساسي. وعلى الرغم من الحصار نجحت إيران نجحت بالسيطرة على الثروات الوطنية واستثمارها لصالح الشعب الإيراني وفي خدمة الثورة. كما أوقفت ظاهرة وضع اليد الغربية على هذه الثروة ثم القيام بثورة اقتصادية تحول الاقتصاد الإيراني من اقتصاد ريعي استهلاكي الى اقتصاد إنتاجي استثماري، محققة الاكتفاء الذاتي للدولة بنسبة عالية ندر وجودها في دول العالم الأخرى كانت ظروفها أفضل من الظروف الإيرانية.
4. القوة العلمية:
ساد في القرن العشرين حتى وقبله مفهوم "تناقض الدين والعلم" أو القول بأن الدين يمنع التطور العلمي، وفي منطقتنا ساهمت أنظمة تدّعي انها أنظمة إسلامية في تأكيد هذا المفهوم حيث وقع طلاق بين الدولة والانفتاح. أما إيران فقد فهمت الإسلام كما هو "دين للحياة والتطور والتقدم" وقدّمت نموذجاً فذاً في مجال التقدم العلمي مع تمسكها العميق بالدين وضوابطه وحدوده، وخاضت بنجاح ميدان الذرة والفضاء والنانو ومختلف العلوم الحديثة. وهنا حققت كسبين: كسب ذاتي جعلها تستفيد من العلوم الحديثة وكسب للإسلام لتأكيد حقيقة أن الإسلام دين حضارة وحياة متطورة.
5. القوة الاجتماعية:
من المتواتر ان المجتمع يشكل في معظم الأحيان نقطة ضعف الدول، حيث إن الحرب الناعمة عادة تعصف في الدول من أبواب مجتمعاتها. فإذا كان الوعي الاجتماعي ضعيفاً او متردياً او إذا كان التماسك الاجتماعي واهناً او إذا كان الحس الوطني في المجتمع مترهلاً، فإن المجتمع يكون عرضة للسقوط السهل بيد أجنبية، اما في الحالة العكسية حيث تكون المناعة الاجتماعية عالية فإن الحرب الناعمة تكون منخفضة الاحتمالات في النجاح. وهذا ما أكدته مسيرة الـ 40 عاماً من عمر الثورة الإيرانية، حيث أثبت الشعب في إيران استعصاءه على التدخل الأجنبي لوجود مناعة لديها صنعها الإيمان الديني والالتزام الوطني والحركية الفكرية وكانت أحداث سنة 2009 نموذجاً لإثبات فعالية هذه المناعة التي أسقطت كل آمال الغرب في النيل من الثورة الإسلامية.
6. القوة التحالفية الاستراتيجية:
في عالم تحوّل الى قرية كونية كبيرة لا يمكن ان تدعي دولة مهما علا شأنها حيازة القوة المطلقة المنحصرة بقدراتها الذاتية. وفي هذا ورغم ضيق الخيارات وندرة المستعدين للتحالف الاستراتيجي مع إيران بسبب الضغط الغربي تمكنت إيران من نسج تحالفات هامة رفدت قوتها الذاتية وزودتها بشبكة أمان إقليمية ودولية ابعدت عنها صورة الجزيرة المعزولة السهلة المحاصرة والإسقاط، تحالفات تبادلية المنافع والمكاسب صاغتها مع دول كما هو الحال مع سورية، ومع كيانات غير حكومية كما هو الحال مع حزب الله وارتقت بالتحالف لتشكيل مجموعة استراتيجية هامة محور المقاومة في نظام عالمي قيد التشكل على أساس المجموعات الاستراتيجية، ما يمكّن إيران رغم كل أنواع الحصار والتضييق أن تحجز مع حلفائها المقعد الآمن في النظام العالمي المقبل.
الكاتب: غرفة التحرير