أمام حالة المقاومة العالية والتصعيدية التي مارسها أهالي النقب في جنوب فلسطين المحتلّة رفضاً لهدم منازلهم وتنفيذ الاحتلال لمشاريعه التهويدية والاستيطانية، زعمت سلطات الاحتلال تجميد عمليات الجرف التي انطلقت بشكّل مكثّف منذ حوالي الأسبوع بهدف "التحريش" الاستيطاني.
عملية التصدّي المهمة التي أجبرت الاحتلال على التوقف ولو لفترة قصيرة عن استكمال ما بدأه منذ نكبة عام 1948، وألحقه منذ عام 2011 بمخططات جديدة أكثر فتكاً بصحراء النّقب وبدوها، كانت محطة دراسة وقراءة لأوساط كيان الاحتلال التي توصّلت الى اكتشاف العديد من الانتقادات كما الثغرات والاخفاقات في الكيان الإسرائيلي.
"العرب يشنون حرب التحرير"!
أولاً صحيفة "هآرتس" العبرية تشير في مقالاتها إلى أن تراجع الاحتلال وعدم قدرته على "التعامل" مع المظاهرات الحاشدة التي انطلقت في مناطق النقب " يعود إلى الاستسلام المستمر للإرادة العربية، البدو والعرب يزيلون الأقنعة، بينما يخطئ العديد من اليهود، -بمن فيهم الوزراء وأعضاء الكنيست وكبار رجال الشرطة وقوات الأمن والنظام القانوني والإعلام- في إخفاء الحقيقة، ويرتدون أقنعة الإنكار فوق بعضها البعض. ويصرون على أن هذا عنف إجرامي وليس قومياً، يرفضون استيعاب أن العرب يشنون حرب تحرير. هدفهم الانتصار ببطء، ولكن بثبات، لاستعادة ما خسروه فيما يسمونه "النكبة".
ومع مسيرات الاسناد الشعبي الواسعة التي قادها الفلسطينيون في مختلف المناطق المحتلة عام 1948 من أم الفحم الى كفر كنا الى اللد وحيفا وعسقلان وخلالها وقعت الاشتباكات مع قوات الاحتلال التي حاولت قمع هذه الوقفات، نقلت الصحيفة توقعات بأن المواجهات في النّقب كانت أقرب الى إشعال المواجهات أيضاً في تلك المناطق، حيث سادت " حالة من القلق لدى مختلف المحافل الأمنية والعسكرية الإسرائيلية"، واصفةً " المواجهات العنيفة التي اندلعت في النقب بأنها "تعكس الاندماج الخطير بين أزمة سياسية شديدة وبين تهديد أمني داخلي".
مواقع التواصل سبباً في ارباك الاحتلال
حظيت المواجهات في النقب بحاضنة رقمية مهمة مع تصدّر وسم "أنقذوا النقب" طوال أيام المظاهرات منصات مواقع التواصل الاجتماعي، فلعبت دوراً أساسياً في جعل قضية النقب على سلّم الأولويات الفلسطينية والعربية، وساهمت في فضح جرائم الاحتلال ووحشيّة قوات الاحتلال في قمع المظاهرات، فقد اشار موقع "والا" العبري الى "خشية الشرطة من مستويات التحريض غير "المسبوقة" ضدها على منصات التواصل الاجتماعي".
وكانت شرطة الاحتلال قد وأطلقت الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز، واعتدت بوحشية على المشاركين باستخدام الخيول والكلاب البوليسية وسيارات الدفع الرباعي، إضافة إلى جر وسحل الفتيات والفتية على الدراجات الصحراوية، واستقدام طائرات هليكوبتر ألقت قنابل الغاز على الفلسطينيين.
النّقب: إشكالية تهدّد الحكومة
أما من ناحية الحكومة غير المتجانسة في تحالفاتها وإئتلافاتها المهدّدة بالتفكّك عند المحطات السياسية والأمنية الشائكة، حيث لا يٌتفق بين مكوناتها الحزبية لا سيما اليمين المتطرف واليسار على العناوين العريضة في السياسة الداخلية والخارجية. وقد كان مخطط "التحريش" الاستيطاني في النّقب بدروه محط خلاف في حكومة الاحتلال، التي انقسمت بين حزب اليمين الذي يريد مواصلة عمليات "التحريش" وبين الحزب اليساري أو ما يسمى "الوسط" بزعامة يائير لابيد الذي عارضها وكذلك ما يسمى "القائمة العربية الموحّدة" في حكومة الاحتلال التي رفضت وهدّدت بمقاطعة جلسات "الكنيست".
الكاتب: غرفة التحرير