"الصيت لمدينتي عكا وحيفا، لأنّ الناس تجهل الناصرة... الناصرة هي عاصمة الثقافة الفلسطينية"، هذا ما يقوله "صديق فلسطيني" في حديثه عن مناطق الداخل الفلسطيني المحتّل عام 1948. وفي يوم الأرض (30 آذار / مارس من كلّ عام)، تستعيد الذاكرة الفلسطينة أحوال هذه المدينة، خاصة في فترة ما قبل الاحتلال الاسرائيلي.
الأهمية الجغرافية
تقع الناصرة في قلب الجليل الأدنى، وتطلُّ على سهل "مرج ابنِ عامر" من الشمال، كان لموقع الناصرة أهمية كبيرة منذ القدم، لأنها تقع في نقطة انتقالية بين منطقة سهل مرج ابن عامر ومنطقة الجليل الأعلى الجبلية. وكانت الطرق الفرعية تصلها بالطرق الرئيسية التي تربط سوريا ومصر من جهة، والأردن وفلسطين من جهة أخرى.
عاصمة دينية
من الناحية الدينية، حظيت مدينة الناصرة بأهمية، ففيها ولدت السيدة مريم العذراء، وفيها نشأ النبي عيسى، السيد المسيح، وقضى فترة من حياته. وقد دعي بـ "الناصري" وأصحابه بـ "النصارى" نسبة لاسم هذه المدينة.
بالتالي، اكتسبت المدينة، أهمية سياحيّة، فهي عرفت بالمدينة المقدّسة الوحيدة في مقاطعة الجليل التي قصدها الزوّار من جميع أنحاء العالم، لمعاينة آثارها الدينية. بُنيت في المدينة 24 كنيسة، وديرًا، ويذكر أن من بينها أكبر الكنائس الكاثوليكية في الدول العربية، بل وفي الشرق الأوسط، "كنيسة البشارة". بالإضافة الى عدد من المتاحف الدينية، والمعارض الأثرية التي توثّق تاريخ المدينة.
الديموغرافية الفلسطينية وثقافة التعايش
قد تميّزت هذه المنطقة بالتعايش الإسلامي والمسيحي، اذ على الرغم من انتشار الآثار المسيحية، الا أن المسلمين سكنوا بأعداد تفوق أعداد السكان المسيحين في الناصرة. على سبيل المثال كان عدد المسلمين فيها عام 1904، 9822 نسمة مقابل 7043 نسمة من المسيحيين من إجمالي 16865 نسمة. وقد ارتقع عدد المسليمن في العام 1912 الى 11601 نسمة مقابل 8305 نسمة من السكان المسيحيين.
كانت الناصرة من بين مدن الداخل الفلسطيني الذي ارتكبت فيه العصابات الصهيونية أكبر وأبشع المجازر بحق أهله قبل قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948. بعد الاحتلال، حافظت الناصرة على التفوق الديمغرافي الفلسطيني من بين مناطق الـ 48. ففي عام 1969 كان عدد القرى ذات الأغلبية الفلسطينية من مناطق الـ 48، 99 قرية، وكان للناصرة وقضائها النصيب في 18 منها. ومن بين أبرزها التي ضمّت في العام 1985 أكثر من 5 آلاف نسمة: کفر کنا، كفر مندا، طرعان اكسال، وعين ماهل. ولليوم تقريبًا يشكّل قضاء الناصرة 182 من مجموع القرى ذات التفوق الديمغرافي الفلسطيني على الصهاينة.
وقد وصل عدد سكان مدينة الناصرة عام 1969إلى 32900 نسمة، في حين كان عددالفلسطينيين في مناطق الـ 48 112000، ما يعني أن سكان الناصرة كانوا يشكلون نسبة 29.4% من إجمالي عدد الفلسطينيين في الداخل. وفي العام 1985 وصل عدد الفلسطينيين في الناصرة الى 48100 نسمة.
المركز الاقتصادي
وجد الفلسطينيون في الناصرة فرص العمل والإنتاج، حيث عمل قسم منهم بزراعة الأشجار المثمرة والخضروات. كما راجت أعمال التجارة فيها وكانت تمثل السوق الرئيسي لعشرات القرى، التي تبيع ما تنتجه في أسواقها.
ازدهرت فيها أيضًا الصناعات الخفيفة. بالاضافة الى أعمال البناء، وقطع الحجارة ونحتها، كما اشتهرت بأعمال النجارة والحدادة، وبعض الحرف.
استحوذت شجرة الزيتون في قضاء الناصرة على أكبر مساحة مزروعة بالأشجار المثمرة. سجّل في العشرينيات من القرن الماضي ما مجموعه 30 ألف شجرة زيتون و25 معصرة في الناصرة. وفي العام 1944، بلغ إنتاج زيت الزيتون في القضاء 325 طنًأ. ذلك الى جانب زراعات أخرى.
التعليم: الناصرة مقصد القرى المجاورة
شكّلت الناصرة مركز التعليم للقرى المجاورة منها، فكانت مقصد التلامذة، لضمّها في العام 1903، 3 مدارس. وبعد سنتين فقط ارتفع عدد المدارس الى 6. وفي العام 1938، وصل عدد المدارس الى 24.
حارات الناصرة
تقسم إلى حارات أو أحياء تحمل أسماء مختلفة، وعادة ما تنسب هذه التسميات إلى عائلات من سكان المدينة نفسها تعيش في تلك الحارة أو ذلك الحي. وكانت كلمة "محلة" والتي تعني حارة شائعة جداً في الناصرة. إضافة إلى ذلك كانت بعض تسميات الحارات ترتبط بموقعها بالنسبة للبلدة نفسها فيقال مثلاً الحارة الغربية أو المحلة الغربية، وأحياناً أخرى تسمى الحارة بالنسبة لموقعها الطبوغرافي في البلدة، فيقال "الحارة الفوقا" و"الحارة التحتا" ومن حارات ومحلات الناصرة: محلة الجامع، محلة عبيد المحلة الشرقية، محلة الجرينة، محلة فرح، محلة يمانية محلة اللاتين، محلة الشوافنة، محلة البيادر، محلة العديني وغيرها.
أما الأسواق في الناصرة فقد أخذت تسمياتها من المهنة التي تمارس فيها، مثل: سوق الصباغين، سوق القهاوي، سوق الخضرة، سوق الصياغ، سوق السكافية، سوق المواستية والحدادين سوق النجارين وغيرها من التسميات.
اللباس التراثي
يعتبر الزّي التقليدي من أهم ما يميّز الفلسطينيين. وقد عرف لباس الرجل والمرأة في الناصرة، بكثرة القطعِ التي يرتديها كلٌّ منهم. وقد تميّز لباس المرأة بطوله، إذ كان يغطّي جسمها بالكامل؛ باستثناء الوجه واليدين. ومع مرور الزمن أخذ استعمال هذه الألبسة يقلُّ، فانتقلتْ النساء إلى اللباس الحديث.
كذلك بالنسبة للرجل، الذي كان يتميّز بلباس العمامة والحطة والعقال والسروال والعباءة، وغيرها، ثمّ انتقلت الى اللبس الحديث مثل "الجاكيت والقميص والبنطلون"، أمّا الشيء المتبقي من الزّي القديم فهو الحطة والعقال، الذي ما زالت قطاعاتٌ كبيرةٌ من الأهالي ترتديه.
75 عامًا مرّت على الاحتلال الاسرائيلي لأرض فلسطين المحتلّة، لكنّ هذا الاحتلال الذي غزى المدن بالمستوطنات واليهود من جميع أنحاء العالم، لم يستطع أن يسلب المدينة تاريخها وجمالها الفلسطيني العتيق.
الكاتب: غرفة التحرير