تُحرّك الهجمات الاجرامية والوحشية لمصلحة سجون الاحتلال بحق الاسرى الفلسطينيين التضامن الشعبي الواسع والنفير العام في صفوف أفراد الاجنحة العسكرية للفصائل حيث أكدت مجتمعة وفي العديد من المرات منذ ما بعد عملية "نفق الحرية"، أنها مستعدة للدفاع عنهم وعن حقوقهم حتى لو كلّف ذلك "مواجهة مفتوحة". وكذلك كالت الفصائل بنفس المكيال للاحتلال، اذ طوّرت من عملياتها وأهداف هذه العمليات الميدانية التي لم تعد تقتصر على مجرد إحباط هجمات الاحتلال بل صارت تعمل على ضربات استباقية مباغتة، وعلى نحوٍ أبعد الى تحقيق مكاسب وغنائم حيّة يمكن أن تشكّل ورقة ضغط قوية ضد الاحتلال.
واستطاعت المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة من أسر جنود إسرائيليين في عمليات نوعية، كما عزّرت من تحصيناتها وشبكاتها الأمنية للمحافظة على الجنود والإنجاز الذي سينزع حرّية الاسرى الفلسطينيين.
وللمقاومة على مدى تاريخها في المواجهة مع هذا الكيان العديد من عمليات الاسر الناجحة التي أخضعت الاحتلال لشروط الفلسطينيين، كان أبرزها:
_ 23 حزيران 1968: نجحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تنفيذ أول عملية اختطاف لطائرة إسرائيلية تابعة لشركة طيران "العال"، بينما كانت متجهة من العاصمة الإيطالية روما إلى "تل أبيب"، حيث أجبروها على التوجه والهبوط في الجزائر، وعلى متنها أكثر من 100 راكب. وأطلقت الجبهة سراح الركاب مقابل إفراج الكيان الإسرائيلي عن 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية.
_ أسرت حركة فتح عام 1969، جندي إسرائيلي يدعى شموئيل فايز، وطالبت كيان الاحتلال بإطلاق سراح أحد قياديها وهو محمود بكر حجازي، مقابل الجندي، تم التبدل بعد حوالي عامين، حيث أجريت عملية التبادل في رأس الناقورة وتوجه بعدها حجازي إلى لبنان، وعاد إلى غزة بعد اتفاق "أوسلو" عام 1994.
وحجازي يعتبر أول أسير فلسطيني في الثورة الفلسطينية آنذاك والتي انطلقت عام 1965، وكان أول من وجه إليه تهمة الإنتماء لحركة "فتح" وقد كان محكوماً بالإعدام.
_ في 5 نيسان 1978 اختطفت الجبهة الشعبية (القيادة العامة) الجندي الإسرائيلي "أبراهام عمرام"، من قوات الاحتياط، وذلك حين استهدفت الجبهة شاحنة إسرائيلية في كمين قرب صور وقتلت الجنود الأربعة الآخرين، لتتم في 14 آذار 1979 عملية تبادل باسم "النورس" بين منظمة التحرير الفلسطينية وكيان الاحتلال، أطلقت بموجبها الجبهة سراح الجندي الإسرائيلي، مقابل الإفراج عن 76 أسيراً من عدة فصائل فلسطينية، ومن بينهم 12 أسيرة.
_ وفي 4 أيلول 1982 أسرت حركة فتح 6 جنود إسرائيليين من قوات "الناحل" في منطقة بحمدون جنوب لبنان وفي 23 تشرين الثاني 1983 جرت عملية التبادل حيث أطلق الاحتلال سراح جميع أسرى "معتقل أنصار" في جنوب لبنان، وهم 4700 أسير فلسطيني ولبناني، إضافة إلى 65 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال مقابل الجنود الستة.
_ في 20 أيار 1985 أجرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين صفقة تبادل مع الكيان الإسرائيلي، سميت "بعملية الجليل"، أُجبر الكيان خلالها على إطلاق سراح 1155 أسيراً. وخلال معركة السلطان يعقوب في 11/6/1982، حين ضلّت دبابة إسرائيلية طريقها من إطلاق قذائف من نوع "آر بي جي" عليها نجحت الجبهة في أسر أول جندي، وبعد إطلاق النار فرّ من داخلها جندي آخر ليقع في قبضة الجبهة، بالإضافة الى تمكّنها من أسر جنديين أخرين في حمدون بلبنان بتاريخ 4/9/1982، مع ستة جنود آخرين، كانوا بحوزة حركة فتح. وكان من بين المحرّرين مؤسس حركة حماس في فلسطين الشيخ أحمد ياسين.
وتعتبر هذه العملية من أهم العمليات، أولاً لناحية طريقة اختطاف الجنود الإسرائيليين وثانيًا من ناحية عدد الاسرى المحرّرين، كما تمت عملية التبادل وفقاً للشروط الفلسطينية.
_ وفي العام 1992، قادت حركة حماس وجناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسّام بعملية أسر نوعية شكّلت انعطافة أساسية في عملها العسكري، وكانت بهدف تحرير الشيخ أحمد ياسين الذي أعاد الاحتلال اعتقاله على خلفية تأسيس الحركة و"التخطيط لتدمير دولة إسرائيل" بحسب زعم الاحتلال، حُكم عليه آنذاك بالمؤبد و15 سنة إضافية.
وجهزت وحدة خاصة في كتائب القسام مؤلفة من أربعة عناصر سيارة عليها لوحات إسرائيلية واتجهت إلى داخل الخط الأخضر قرب القدس ورابطت هناك، وعند منتصف الليل كان جندي إسرائيلي يقطع الشارع فصدمته المجموعة بالسيارة وأسقطته على الأرض، وهو "نسيم تولدانو" ومن ثم وضعوه في سيارة واتجهوا به إلى مخبأ مُجهّز مسبقاً في قرية عناتا شمال شرق القدس من أجل البدء في عملية التفاوض. وتبنت الكتائب العملية في بيان خاص حيث أمهلت الاحتلال عشر ساعات فقط للإفراج عن الشيخ ياسين.
_ عام 2006، كتائب القسّام تأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد استهداف الدبابة الإسرائيلية وقتل الجنود الثلاث الاخرين، وتمت صفقة تبادل سميت "وفاء الاحرار" عام 2011 بعد 5 سنوات من المفاوضات في الوساطة أجبرت الاحتلال على الرضوخ لشروط المقاومة حيث إطلاق الاحتلال سراح أكثر من 1000 أسير ومن بينهم قيادات في الفصائل كافة. وتعتبر أكبر عملية تبادل حيث أثبتت فيها حركة حماس قدرات أمنية عالية ونفس تفاوض طويل لم تتنازل فيه عن مطالبها، وتكرّست العملية كنموذج لاي صفقة قادمة.
واليوم في حوزة المقاومة الفلسطينية ورقة ضغط كبرى ضد الاحتلال، أربعة جنود إسرائيليين أسرتهم كتائب القسّام خلال العدوان على غزّة عام 2014، وتحتفظ بهم وسط إخفاء المعلومات عن الاحتلال، وتستمر المفاوضات مع كيان الاحتلال بواسطة مصرية، لكن الاحتلال غير مستعد لتنازلات كبيرة تلحق به وبمسؤوليه الذّل والهزيمة فيما تصّر حماس على شروطها التي تؤكد فيها تحرير عدد كبير من الاسرى والقيادات في الفصائل كما الاسرى الستة الذين اعيد اعتقالهم بعد عملية "نفق الحرية".
بالإضافة الى جنديين آخرين أسرتهم حركة تسمى "الحرية"، لم تكشف عن نفسها وهويتها بعد، والجنديان هما ديفيد بيري، رجل مهمات سرية في جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وديفيد بن روزي، خبير بتروكيماويات، وتم اختطافهما في عمليتين منفصلتين خارج حدود فلسطين المحتلّة في 9/9/2020، لكن الاحتلال لم يعترف بعد باختطافهم "رسمياً".
وكان نائب قائد الأركان في كتائب القسّام مروان عيسى قد صرّح ان "ملف الاسرى سيكون الصاعق للمفاجآت القادمة للعدو".
الكاتب: غرفة التحرير