حدثان متتاليان وجّها الأنظار السياسية نحو السودان، محاولة انقلاب عسكري على رئيس الحكومة السوداني الحالي عبد الله حمدوك لكنّها سرعان ما أُفشلت واحبطت، ليدّعي بعدها السودان مباشرة وقف وتجميد أصول مملوكة لحركة حماس الفلسطينية في البلاد، وأنها تصل إلى 1.2 مليار دولار. وعلى الرغم من نفي حماس لهذه الادعاءات، الا ان تشديد الموقف المعارض للمقاومة الفلسطينية بدا واضحاً في طيّات التصريحات السودانية.
كان موقف السودان السلبي من القضية الفلسطينية والفصائل في غزّة، قد بدأت تتبلور ملامحه عام 2016 أيام الرئيس السابق عمر بشير، وبعد الانقلاب على البشير عام 2019 سارعت الحكومة الانقلابية الى تعزير علاقاتها مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي بتوقيع "اتفاقات ابراهام"، برعاية أمريكية في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، لتطبيع العلاقات رسميّاً مع الكيان، مقابل شطب الخرطوم مما يسمى " الدول الراعية للإرهاب"، وبعض التسهيلات المالية.
ومع خطوتها اليوم ضد حماس تقدّم السودان مزيداً من التنازلات لواشنطن و"إسرائيل"، لتحوّل مشروعها التطبيعي الى "استثمارات" فعليّة بينها وبين الكيان الإسرائيلي بما يعود عليها بالعوائد المالية الضخمة. فأوساط التحليل الاقتصادي السوداني تدعي ان حجم التبادل التجاري والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة بين السودان والكيان سيصل الى عشرات المليارات من الدولارات خلال سنوات قليلة، وان هذه "الاستثمارات" ستتركز في الزراعة والصناعة ومجالات الطاقة والبترول. لكنّ في المقلب الاخر أطماع للكيان الإسرائيلي في السودان تفوق حجم العائدات المالية، فالكيان يرى الخرطوم نافذته إلى أفريقيا وخاصة على البحر الأحمر، ويعمل على استغلال الموارد الزراعية والطبيعية لتوسيع نشاط الشركات الإسرائيلية في القارة لمنافسة أي محاولات استثمارية للسعودية، ومواجهة النفوذ والاستثمار التركي. كما سيسيطر الكيان على القطاع الحيوي في السودان ويضع يده على الثروة الحيوانية والزراعية وتربية الأبقار والمواشي.
كما يأتي هذا الموقف من السودان رغبة منها في التخلّص من متراكمات ديون تقدّر بأكثر من 50 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، بالإضافة الى تطلّعها الحصول على الأموال والقروض الامريكية في وقت تعاني فيه الخرطوم من ضائقة اقتصادية، ومن أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني إلى أرقام قياسية.، ويُعد تدهور الأوضاع المعيشية، أحد أبرز التحديات على طاولة حكومة عبد الله حمدوك، وواشنطن التي تنتهج أسلوب الضغوط الاقتصادية او التلاعب بالسلم الأهلي في الدول التي تُظهر معارضة لسياستها لإجبارها على الخضوع للهيمنة الامريكية قد لا يُستبعد ان تكون محاولة الانقلاب رسالة لجر السودان نحو مزيد من الانغماس في المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
الكاتب: غرفة التحرير