رغم ما يولده من حزن، خبر اعتقال آخر أسيري "عملية الفرار" في معتقل جلبوع، عند الشعب الفلسطيني وكل أحرار العالم، الذين فرحوا منذ أسبوعين بنجاح العملية. إلا أن مفاعيل هذه العملية لن تنتهي أبداً باعتقالهم مجدداً. لما حفرته في وعي الفلسطينيين وجميع المقاومين، من تأكيد على أن هذا الكيان المدجج بالتقنيات التكنولوجية المتطورة، سيبقى عاجزاً وواهناً في معركة الإرادات. وتأكد من جهة أخرى أيضاً، أن حجم التفاعل الشعبي في منطقتنا وفي أنحاء العالم، مع القضية الفلسطينية بمختلف أبعادها (المقاومة في غزة والضفة ومناطق 48 المحتلة، الأسرى، رفض معاهدات التطبيع والتعامل مع كيان الاحتلال)، بات يزداد يوماً بعد يوم، قوةً وصلابةً وأملاً وثقةً، بقرب تحقق حلم تحرير فلسطين من البحر الى النهر.
أهل جنين اشتبكوا والسلطة تتفرج
وفي تفاصيل عملية الاعتقال فجر اليوم الأحد، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي شنت عملية عسكرية واسعة ومشتركة بين الجيش والشاباك في مدينة جنين، حيث قام جنود فرق القوات الخاصة للاحتلال، باقتحام الحي الشرقي للمدينة، ليحاصروا ويهاجموا المبنى الذي اختبئ فيه الأسيرين. بالتزامن مع قيام فرق أخرى بالاشتباك مع المقاومين من الجهة الغربية للمدينة، ضمن عملية تمويه تمنع انتباههم لما يجري في الجهة الشرقية. وتم على إثر هذه العملية، اعتقال الأسيرين أيهم كممجي ومناضل نفيعات، بالإضافة الى اعتقال عدد آخر من شباب الضفة المحتلة، وأعلن عن إصابة ثلاثة شبان بجراح متوسطة خلال عملية الاقتحام.
ولم تتحرك أجهزة السلطة الأمنية خلال عملية الاقتحام، كما لم تقم بأي جهود لحماية الأسيرين من إعادة الاعتقال خلال الأيام الأخيرة. حينما شهدت محافظة جنين عمليات بحث وتفتيش قوات الاحتلال عن الأسيرين نفيعات وكممجي، فكثف عناصرها عمليات التمشيط قرب المدينة وفي مناطق متفرقة منها، وقاموا بنصب الحواجز العسكرية، دون أن تبادر أجهزة السلطة الى اتخاذ أي إجراء، أقله ما قد يساعد الأسرى في تأمين عملية اختبائهم.
سلوك السلطة هذا، دفع بالعديد من الفلسطينيين بالتعبير عن ضرورة انهاء هذا الواقع، من خلال تحويل الضفة الى ساحة اشتباك مسلح مع كيان الاحتلال. وصرح المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم بأنه قد "آن الاوان للذراع الصهيونية التي امتدت لتختطف المجاهدين في الضفة المحتلة وتبطش بهم أن تقطع، وأن يوضع لها حد وألا يسمح لها بالاستمرار في العبث في ساحتنا الفلسطينية، وبأرواح أبنائنا ومجاهدينا مهما كلف ذلك من ثمن". مؤكداً أن الرهان هو "على شباب ورجالات الضفة الاحرار كبير في قيادة المرحلة، وخلق ساحة نضال جديدة عناوينها: حملة البنادق المشرعة في وجه العدو تحسم معاركها المقدسة معه، تحمي أهلنا وشعبنا ومقدساتنا". وبالنسبة للأسرى قال برهوم "إن أبطال نفق الحرية من رحم هذا الشعب ولدوا، وثبتوا في معارك المقاومة والتضحية والفداء، وشكلوا نماذج ورموز نضالية جهادية كبيرة، بمثلهم وأمثال الكثير من أبطال ورموز شعبنا حتماً سنصل وننتصر، والرهان على المقاومة في تحريرهم وإخوانهم من سجون الاحتلال بإذن الله كبير".
تداعيات عملية الأسرى الإستراتيجية
عوداً على بدء، فرغم انتهاء عملية "أسرى نفق الحرية"، بعودة اعتقالهم من جديد، إلا أن مفاعيلها وتداعياتها الإستراتيجية، ستولد قلقاً عميقاً لن ينتهي، عند قادة كيان الاحتلال من سياسييه وعسكرييه. وأهم هذه المفاعيل والتداعيات:
_ ضعف السجون والمعتقلات الإسرائيلية رغم حصانتها الشديدة، أمام إرادة الأسرى وإبداعهم في التغلب على كل الإجراءات وتقنيات المراقبة. ما سيدفع بأسرى آخرين بالتخطيط لتنفيذ عمليات هروب أخرى، ربما نشهد العديد منها في المدى القريب. ففي آخر التفاصيل التي كشفت عن عملية حفر النفق، تبين أن الحفر كان يتم في وضح النهار (ما دفع بالصحافة الإسرائيلية لوصفه بالحفر تحت أنوف السجانين). إضافة للعديد من مكامن الفشل الإسرائيلي (نوم الحراس، عدم ضبط الكاميرات، فشل منظومة المراقبة عبر طائرات بدون طيار باكتشاف الهروب).
_ضعف أجهزة الأمن الإسرائيلي رغم ما تمتلكه من قدرات، بإعادة اعتقال الأسرى بسرعة، الذين لم يضعوا أصلاً خطة لما بعد الهروب من السجن. فلم تستطع أجهزة الأمن من تحقيق هذا الهدف، إلا بعد 4 أيام في المرحلة الأولى (إعادة اعتقال الأسرى الأربعة)، وبعد أسبوعين في المرحلة النهائية (إعادة اعتقال الأسرى اليوم).
كما أن استطاعة الأسيرين نفيعات وكممجي من اختراق الطوق الأمني حول جنين، يعد من أكثر معالم الفشل الإسرائيلي، رغم أنهما تنقلا من السجن الى قرية الناعورة (أقله 8 كم) ثم منها الى جنين (17 كم).
_ كثرة عمليات الهجوم الإسرائيلي على الضفة، بتواطؤ من سلطة محمود عباس، ستدفع بأهل الضفة لتصعيد مقاومتهم أكثر فأكثر، وتوحيد جهود فصائل المقاومة المختلفة، لضرب الاحتلال والمتواطئين معه في آن واحد.
الكاتب: غرفة التحرير