سجلت الـ 24 ساعة الماضية 17 عملاً مقاوماً تنوّع بين عمليات إطلاق نار وعبوات ناسفة محلية الصنع وزجاجات حارقة ومفرقعات نارية وحجارة، شملت مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلّة. الحالة اليومية المتصاعدة في الضفة والقدس وصفتها صحيفة "هآرتس" العبرية بالأخطر منذ الانتفاضة عام 2000.
على خطى جنين ومخيمها الذي وصفه الاحتلال "بعش الدبابير" بعد المعركة عام 2002، تبرز اليوم نابلس كمركز آخر للمقاومة التي يقودها شباب الجيل الجديد دون انتماء فصائلي أو توجيهات خارجية واضحة، بل تنبع المقاومة من عمق المعاناة اليومية من الاحتلال.
تنشط مجموعة "عرين الأسود" في نابلس لتمثّل "صداعاً" جديداً للاحتلال، على حدّ وصف "هآرتس"، فهي قد اكتسب سريعاً شعبية واسعة واستطاعت أن توصل مناطق الضفة والقدس ضمن أعمال موحّدة كالإضراب العام.
وليل أمس أطلقت "عرين الأسود" النفير العام، ودعت "كل مواطن يستطيع حمل السلاح والقتال، كن على أتم الجهوزية في هذه الليلة المباركة، فقد أراد الاحتلال أن يخدعنا مرة أخرى من خلال إعلامه هذه الليلة وتغيير صوت طائراته ولكن أخوتكم يعلمون ما لا يعلمه الاحتلال... يا آبائنا، يا أمهاتنا، يا أخوتنا، يا أطفالنا أخرجوا الليلة على أسطح منازلكم في تمام الساعة 12:30، وأسمعونا أصوات تكبيراتكم".
وتلبية لنداء "عرين الأسود"، خرجت مسيرات السيارات واحتشد المواطنون على أسطح الأبنية في أريحا وطولكرم وجنين والخليل ومدن القدس المحتلّة. فيما نفّذت العديد من العمليات، اذ استهدف مقاومون فلسطينيون، قوات الاحتلال بالرصاص والعبوات محلية الصنع قرب حاجزي "سالم" و"الجلمة" العسكريين في مدينة جنين. وقالت إذاعة جيش الاحتلال:" إن الجيش قرر إغلاق حاجز سالم شمال جنين حتى إشعار آخر، في أعقاب عملية إطلاق النار". وأعلن جيش الاحتلال عن تضرر مبنيين في مستوطنة "شاكيد" غرب جنين، بعد عملية إطلاق لنار.
وألقى شباب زجاجات حارقة صوب مركبات المستوطنين قرب بلدة "بيت أمر" شمال الخليل. كما استهدف شباب آخرون بالمفرقعات النارية البرج العسكري في مخيم "العروب" شمال الخليل. وجرى إطلاق نار استهدف معسكر "عوفر" غرب رام الله. وأعلنت كتيبة مخيم بلاطة عن استهداف حاجز "بيت فوريك" شرق نابلس بالرصاص، ولفتت الى أن مقاوميها أطلقوا النار نحو جنود الاحتلال تلبية لنداء "عرين الأسود".
أمّا شرق القدس المحتلّة، فلا يزال الاحتلال يعتدي ويقتحم مخيم "شعفاط" بعد العملية التي أدت الى قتل مجنّدة وسط تصدي الأهالي ووقوع الاشتباكات والاعتقالات في صفوف الشباب الفلسطيني. ومنذ تلك العملية التي لا يزال الاحتلال يطارد منفذها، امتدت جسور الترابط بين المخيم و"عرين الأسود". فالأول لبّى نداء الاضراب العام والثانية استنفرت لنصرة المخيم ومنفّذ العملية.
على إثر نشاط "عرين الأسود" وهذه الحالة الجديدة التي توقد نارها في الضفة والقدس، يحاصر الاحتلال نابلس لليوم الثامن على التوالي ويغلق الحواجز والطرقات الرئيسية والفرعية لتحكّم بحركة المواطنين والسيارات وعزل المدينة. ونقل مراسل إذاعة جيش الاحتلال، دورون كدوش عن مسؤول أمني لدى الاحتلال أن "الإغلاق على نابلس سيستمر بقدر الحاجة حتى لو أسابيع". ورأى المحلل العسكري في موقع "والاه" العبري، أمير بوخبوط أنه "إذا زادت جماعة عرين الأسود من عملياتها، فلا مفر من عملية واسعة في نابلس".
وكانت كتيبة جنين (سرايا القدس) قد أعلنت أنها لن تترك مجموعات "عرين الأسود وحدهم في الميدان، في ضوء التهديدات الإسرائيلية بشن حملة عسكرية ضد العرين في نابلس"، موضحةً أن "حواجز الاحتلال في محيط جنين لن تكون في مأمن، في حال أقدم الاحتلال على عدوان ضد عرين الأسود في نابلس". وشدّدت "نحن وعرين الأسود وكتيبة نابلس وكل مقاومي نابلس على ذات الطريق والهدف، وسنقاتل إلى جانبهم حتى لو اضطرنا الأمر لإرسال مقاتلين في نابلس نصرة لإخوانهم".
فيما ترى أوساط أخرى في الاحتلال أن "أكبر خطأ ارتكبته اسرائيل هو اغتيال ابراهيم النابلسي، فقد أصحبت نابلس كغزّة بل وأكثر خطورة". وكان وزير حرب الاحتلال قد صرّح بأن نابلس تمثّل تحدياً للجيش.
أما صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية فقد كشفت أن "إسرائيل عرضت على مجموعة عرين الأسود المسلحة في نابلس، العفو عنهم مقابل تسليم سلاحهم"، وهي ليست المرة الأولى التي يُحاول فيها الضغط على المجموعة، فقد ذكرت "القناة 12" العبرية في 2 / 10 / 2022 أن السلطة الفلسطينية – التي يضغط عليها الاحتلال "لضبط" الوضع في الضفة - عرضت على المقاومين دمجهم في أجهزة السلطة الفلسطينية، وشراء الأسلحة التي بحوزتهم، وصرف رواتب لهم، لكن المفاوضات وصلت لطريق مسدود. فيما كانت المجموعة قد طالبت رئيس السلطة محمود عباس لإعلان القتال وترك نهج التسويات.
تعيش الضفة الغربية اليوم انتفاضة مختلفة يقودها الجيل الذي ملّ ممارسات السلطة ولن يستطيع الاحتلال السيطرة عليها أو إخمادها لان كلّ اغتيال أو اقتحام ترفع من عزيمة الشباب وتدفعهم نحو مزيد من العمليات، وهو أكبر تهديد وجودي على هذا الكيان المؤقت.
الكاتب: مروة ناصر