تعد زيارة الوفد الوزاري اللبناني لسوريا بالأمس، من أهم الزيارات التي حصلت على الصعيد الرسمي منذ 10 سنوات. فخلال المدة السابقة، كانت كل الزيارات الرسمية تتم من قبل وزراء لبنانيين بشكل فردي، وعلى صعيد قضايا محددة في نطاق وزارته. لأن الولايات المتحدة الأمريكية والدول التابعة لها في المنطقة، فرضوا ضغوطاً على أي شكل من العلاقات مع سوريا، فاستجاب لها أكثرية السياسيين اللبنانيين، رغم ما ستؤدي اليه هذه القطيعة، من آثار كارثية على بلدهم أولاً. لأن سوريا كانت تاريخياً وستظل جغرافياً، العمق الاستراتيجي والرئة الاقتصادية للبنان، التي من خلالها سيستطيع تنشيط حركتي الاستيراد والتصدير البريتين.
فبالأمس السبت، استقبل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في نقطة "جديدة يابوس الحدودية"، وفداً وزارياً لبنانياً مؤلفاً من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر، ووزيريّ الطاقة والمال ريمون غجر وغازي وزني، يرافقهم مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وجاءت هذه الزيارة على إثر موافقة الإدارة الأمريكية، في فك الحصار عن لبنان، من خلال السماح باستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن مروراً بسوريا، دون ان يتعرض اللبنانيون لأي عقوبات ناتجة عن قانون قيصر.
يومها "تصادف" إعلان السفيرة الأمريكية "دوروثي شيا" قبول بلادها لهذا المشروع، فور انتهاء خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم العاشر، حينما أعلن عن انطلاق أول سفينة للحزب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، محملة بالمازوت الذي تحتاجه المستشفيات ومصانع الامصال والافران، على أن يتبعها سفن أخرى تساعد في تأمين حاجات اللبنانيين لهذه المواد الحيوية. كما أن هذه الموافقة الأمريكية كانت تحمل في طياتها أيضاً، لغماً ظنت أنها بواسطته ستستطيع مع اعوانها في لبنان، إظهار سوريا في دور المعرقل لأي جهود تساعد لبنان في حل مشكلة الكهرباء. لكن سوريا أثبتت أنها كما حالها دائماً، لن تكون سوى عامل مساعد لنهوض لبنان، لذلك أكد الوزير فيصل المقداد، أن سوريا ترحّب بأيّ مبادرة ولن تقف عائقاً أمام أي اتفاقية تخدم لبنان. وبعد انتهاء اجتماع وزراء الطرفين، أعلن رئيس المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، أن دمشق رحّبت بطلب لبنان استجرار الغاز من مصر إلى لبنان مروراً بأراضيها لإنتاج الطاقة الكهربائية. وأعرب خوري عن اعتقاده بأن هذه الزيارة لها مدلولات سياسية أخرى، تتعلق بإعادة تفعيل التعاون بين البلدين.
آثار وأبعاد هذه الزيارة الإستراتيجية
1)التأكيد على أن الحصار الأمريكي، لا يمكن إفشاله ورفعه سوى باتخاذ قرارات ثورية، لا تكترث بأي عقوبات أمريكية أحادية الجانب المفروضة على الدول الأخرى، خصوصاً سوريا. التي أعلن رئيسها بشار الأسد اليوم الأحد أمام وفد للقوى الدرزية اللبنانية، أن بلاده ستسهّل كل ما يخدم "الأشقاء" اللبنانيين. مضيفاً بأنهم مستعدين لوضع بعض أراضي دولتهم الشاسعة، في خدمة مشاريع إنتاجية مشتركة بين البلدين.
2)إن خطوة حزب الله استطاعت كسر الحصار المفروض أمريكياً على ثلاث دول: إيران، سوريا، لبنان. ما يشكل مثالاً يحتذى فيه بالمستقبل، لكي تزداد المشاريع الاقتصادية المشتركة بين هذه الدول، مما سيساعدهم على حل المشاكل الاقتصادية وخلق فرص جدية للنهوض.
3)سيفتح هذا المسار أمام حزب الله لمضاعفة جهوده في كسر الحصار، وقد نشهد بعد مدة، لاسيما في حال تراخي الدولة اللبنانية عن البدء بمعالجة ملف التنقيب عن النفط والغاز (بسبب الضغوط الأمريكية التي يهمها في هذا الملف ضمان مصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي)، الى استقدام شركات إيرانية وربما من دول أخرى للقيام بالتنقيب. ما سيوفر للبنان حلولاً ستسرع من عملية نهوضه الاقتصادي، التي يقدرها بعض الخبراء ب 5 سنوات.
4)كشف مدى انحدار قوة أمريكا في التأثير على المنطقة، من خلال قدرة حزب الله على كسر حصارها، وما سيشكله من حافز لبقية شعوب ودول المنطقة للتحر أيضاً من هذه الهيمنة.
الكاتب: غرفة التحرير