لا شك ان مشاركة سوريا في الاجتماع الرباعي الذي حصل في العاصمة الاردنية عمان لبحث ملف استجرار الغاز المصري الى لبنان، شكل خطوة في بداية مرحلة جديدة في المنطقة عنوانها ان سوريا ثابتة على مواقفها، بينما معظم الاطراف الاخرى هي التي تغير في سياساتها وتموضعها، فالأميركي اضطر مرغما عنه على فك الحصار عن سوريا الذي سبق ان هلّل له عبر إقراره ما يسمى "قانون قيصر" ذات الأبعاد والغايات السياسية المحضة.
وفي نفس الإطار، فتحت عدة دول خليجية قنوات التواصل مع دمشق سواء عبر إعادة فتح مقراتها الدبلوماسية او عبر التواصل بطرق غير مباشرة او غير معلنة، وتحت عناوين مختلفة، كما ان اجتماع عمان الرباعي اكد المؤكد ان الحصار المفروض على سوريا يطال ضمنا لبنان وبالتالي فإن الازمة التي يعاني الشعب اللبناني هي صناعة اميركية وإن أعطيت أسماء اخرى.
لكن ما دفع الاميركي لمنح هذا الاستثناء هو قرار حزب الله بجلب النفط الايراني للتخفيف من معاناة اللبنانيين، وما لهذا القرار من أبعاد ودلالات حول إمكانية التوجه الفعلي شرقا وانتقال لبنان بكامله الى محور المقاومة بدون أي تأثير للاميركيين فيه مستقبلا، ما يعني ان اميركا ومن معها في المنطقة سيخسرون ساحة جديدة تضاف الى خسائرهم السابقة، وكي لا تتجرع واشنطن مرّ الخسارة الواضحة اضطرت لإعطاء الضوء الأخضر لبعض حلفائها بإمكانية التواصل مع سوريا لتمرير الغاز المصري الى لبنان، بعد ان كان ذلك ممنوعا قبل إعلان الامين العام لحزب الله في موضوع النفط الايراني.
واللافت ان فك الحصار الاميركي حصل عن لبنان وسوريا وايران بمجرد إعلان السيد نصر الله، وبالتالي كان هذا القرار بمثابة "ضربة معلم" حشرت الادارة الاميركية وأدواتها في المنطقة، وحول ذلك قال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين "بضربة واحدة كسرنا حصار ثلاث دول واشترينا المازوت من ايران وعبرنا به من سوريا واستفاد منه لبنان المحاصر، هذه خطوة أولى سنستكملها بخطوات أخرى"، وتابع ان "غباء السفيرة الأميركية (دوروثي شيا) كان في مسارعتها لردة الفعل التي فضحت النوايا الاميركية".
وبالسياق، أسفت مصادر لبنانية مطلعة ان "هناك في لبنان من يعتبر ان استجرار الغاز من مصر هو عملية تقنية وأخوية قامت بها الحكومتان الأردنية والمصرية لدعم صمود المجتمع اللبناني في ظل غياب السلطة وتحلل الدولة"، وتابعت "بينما الواقع ان ما حصل هو التزام أردني مصري بالقرار الاميركي بمنح استثناء خاص للبنان من قانون قيصر بعد إعلان السيد حسن نصر الله بجلب النفط الايراني"، ولفتت الى ان "ما يجري في ملف الغاز المصري وغيره من الملفات هو تأكيد على محورية دور وموقع سوريا في المنطقة بشكل عام وعلى أهمية العلاقة معها بالنسبة للبنان".
وبالعودة الى الاسثتناء الاميركي حول قانون قيصر، فهذا يُظهر ان الادارة الاميركية تدعي التعاطي القانوني في العلاقات الدولية بينما في الواقع هي تستخدم القانون كما تستخدم بعض الدول والمؤسسات الدولية لتحقيق مشاريعها السياسية ذات الاهداف التآمرية على شعوب المنطقة ودول محور المقاومة، والاستثناء الاميركي هو تطبيق حي لسياسة واشنطن المعهودة عبر الكيل بمكيالين او اعتماد معايير مزدوجة بالتعاطي مع الآخرين بحسب ما يخدم سياساتها ومصالحها، وبالتالي فإن الادارة الاميركية لا تتردد في نقض عهودها وخرق القوانين الدولية او المحلية إذا كان ذلك يحقق لها ما تريد بدون اي اعتبار لسيادة القوانين والدول.
هذا كله يفضح زيف الادعاءات الولايات المتحدة بأنها دولة قانون ومؤسسات، بينما في الواقع هي كيان يعتمد "البلطجة" على الصعيد الدولي حيث لديها وسائل القوة والعلاقات المتشبعة في كل الاتجاهات بما يجعلها تعتقد انها قادرة على فعل ما تريد.
الكاتب: غرفة التحرير