عام 1839 وعلى خلفية غرق السفينة "داريا دولت" بالقرب من ساحل عدن التي اتهمت اليمنيين بإغراقها ونهب حمولتها، احتلت بريطانيا اليمن لأكثر من 127 عامًا. هذه المدة الزمنية الطويلة التي قضتها بريطانيا في البلاد كانت بمثابة فرصة لا تنسى استغلتها لآخر لحظة. اليوم وبعد ما يقارب 182 عامًا تحاول لندن ان تسترجع موطئ القدم الذي خسرته في تلك المنطقة، لكنها لم تُدرك ربما بأن اليمنيين لم يَنسوا أيضًا.
مؤخرًا كُشف عن وصول قوات بريطانية إضافية إلى المهرة بذريعة "البحث عن منفذي عملية استهداف سفينة ميرسر ستريت" التي كانت قد استُهدِفت قبالة سواحل عمان في بحر العرب والتي تديرها شركة إسرائيلية، حيث اعتبرت لندن ان الطائرة المسيّرة التي قامت بالعملية قد انطلقت من الأراضي اليمنية. في سيناريو مُستهلك أُعدّ مسبقًا لإعادة "احتلال" جزء من البلاد وبرعاية أميركية. هذا الأمر يفتح الباب للتشكيك بأصل الرواية عن وجود استهداف أساسًا وانه لم يكن "حادث مفتعل" بأيدٍ بريطانية، أميركية أو ربما سعودية.
ما خلف "ميرسر ستريت" أعظم!
مع تسارع وتيرة سيطرة الجيش واللجان على جبهات مأرب داخل المحافظة وتلك المحيطة بها، خاصة معركة البيضاء التي تم فتح النيران فيها بغية تخفيف الضغط عن مأرب، والوصول إلى مشارف شبوة -مستنقع النفط والغاز- لم تعد واشنطن ولندن توكلان مهمة إدارة الميدان إلى قيادات الإصلاح والاخوان المسلمين بعدما ثبت فشلهما بشكل واضح في التقدم أو حتى استرجاع المواقع التي فُقدت خلال عملية "الفتح المبين" الأخيرة، الأمر الذي استدعى من الحليفين اعلان "حالة الطوارئ"، واتخاذ لندن -على ما يبدو- قرار الانخراط المباشر والمشاركة في الحرب.
من ناحية أخرى فإن استغلال حادثة "ميرسر ستريت" لا يقتصر فقط على استقدام قوات بريطانية إضافية إلى مطار الغيضة وميناء خلفوت كما أفادت مصادر مطلعة، بل محاولة توجيه الاتهام لحركة أنصار الله أيضًا، وتعبئة المجتمع الدولي ضدها، وبالتالي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وتأتي عملية الاستقدام هذه بتسهيل كبير من الرياض، التي سعت طيلة الفترة الماضية لفصل هذه المنطقة عن البلاد، خاصة بعد توقيع السعودية وبريطانيا على الاتفاق العسكري لإجراء "أعمال أمنية في المهرة لتعزيز أمن وسلامة الملاحة الدولية ومكافحة تهريب المخدرات والسلاح"، وبعد اعتراف السفير البريطاني في اليمن مايكل أرون بوجود قوات بلاده في المحافظة وبموافقة حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي.
وكانت حكومة صنعاء قد كشفت سابقًا عن خلايا ومجموعات تتم إدارتها بشكل مباشر من قبل الاستخبارات البريطانية، مهمتها رصد مصانع انتاج الطائرات المسيرة والصواريخ وتحركات اللجان الشعبية والجيش خاصة القيادات منهم. ووجود 6300 من الضباط والخبراء البريطانيين يديرون غرفة عمليات مشتركة مع القيادات السعودية تحت مسمى "شركات أمنية خاصة".
كانت الحرب على اليمن فرصة انتظرها الكثيرون من القوى الدولية، ومنهم من استغلها فعليًا وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن على هؤلاء أن يدركوا جيدًا ان اليمن في سيناريو "ميرسر ستريت" ليس كما كان خلال حادثة "داريا دولت". فمع علمهم أن حركة أنصار الله ليست المسؤولة عن استهداف السفينة، الا أنهم لو لم يعلموا بأنها قادرة فعلًا على استهدافها، لما استغلوا هذه القدرة ليتهموها زورًا، وبالتالي فللبلاد اليوم، مَن أثبت ميدانيًا وبالنار أن باستطاعته حمايةَ أرضه. واليمن لا يُلدغ من بريطانيا مرتين.
الكاتب: مريم السبلاني