يقع لبنان في دائرة اهتمام العديد من دول الغرب، ولكن لبنان بحد ذاته ليس حالة ذات أهمية بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، إلا باعتباره جزءاً من حالة الوضع الراهن التي تحاول الولايات المتحدة فرضها في المنطقة، وهو يتعلق بشدة بأمن "اسرائيل" على حدودها الشمالية. لذلك فقد شكّلت المقاومات التي انطلقت من الجنوب منذ العام 1948 قلقاً دائماً للكيان، بل كانت مصدر عبء على الولايات المتحدة الأميركية، التي لم تستطع ضبط مسار الأمور بحسب رغبتها، اذ ظنت أن اتفاقيات السلام التي عُقدت ما بين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية من جهة، وما بين "اسرائيل" من جهة أخرى، ستضبط مسار الأمور، ولكن هذا ما لم يحدث، واستمرت المقاومة.
استمرت المقاومة، وتعاظمت قدراتها حتى تحرير الجنوب في العام 2000، وارتبط اسمها منذ العام 1990 تحديداً بالمقاومة الإسلامية، التي هزمت قوات الاحتلال أيضًا عام 2006، وكان لسوريا دور مباشر في دعمها بالسياسة والسلاح، وقد ساهمت في تدريب بعض فصائل المقاومة الإسلامية في معسكرات للتدريب تحت إشراف الحرس الجمهوري مباشرة، وكان ضابط الإرتباط يومها العميد محمد سليمان، ولاحقًا قام جيش الاحتلال بعد خسارته عام 2006 باستهداف كل من كان مرتبطاً بالمقاومة بشكل مباشر، ومنهم على سبيل المثال عالم الفيزياء الذرية عزيز اسبر، وهو مدير معهد البحوث السورية في العام 2018، ومطور صواريخ الكورنيت، التي حطمت المقاومة من خلالها أسطورة الميركافا في عدوان تموز.
لن ينسى أحد، كيف فتحت سوريا مخازن أسلحتها في البقاع خلال عدوان نيسان في العام 1996، وقبلها في تموز 1993، وهذه المعلومات كشف عنها مصدر عسكري سوري مطلع، كان في لبنان خلال الأعوام 1996-2005، حتى باتت لاحقًا من المسلمات. وسوريا التي وقفت إلى جانب المقاومة حتى التحرير في العام 2000، ومن ثم خلال حرب تموز 2006، دعمت بكل قوة المقاومة سياسياً وعسكرياً، وقامت بتأسيس نواة محور مشترك مع إيران لدعم المقاومة بهدف إيصال الصواريخ والأسلحة إليها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد اختار الرئيس بشار الأسد خلال حرب تموز، بدقة وعناية خاصة، الشخصيات المناسبة والفاعلة للتعامل معها من أجل دعم المقاومة وهزيمة "اسرائيل".
كان لدى سوريا بُعد نظر من خلال العلاقة التي بدأتها مع إيران، ومع الشخصيات التي ترغب بالتعامل والتنسيق معها بشكل مباشر، حيث كشف دبلوماسي إيراني سابق رافق الوفد الايراني الى دمشق خلال عدوان عام 2006، عن المكانة التي كان يحظى بها القائد الشهيد قاسم سليماني قبل 15 عامًا لدى الرئيس بشار الأسد وسوريا، وروى الدبلوماسي ما جرى أثناء اللقاء وقال: خلال حرب تموز، توجّه وزير الخارجية الإيراني منوجهر متكي بعد زيارته لبنان إلى سوريا، والتقى بالرئيس الأسد، وبعد نقاش الأحداث الجارية في ساحة الجنوب اللبناني، تضمن اللقاء اقتراحات قدّمها الوزير متكي على الرئيس الأسد، حول سبل دعم ومساندة حزب الله، فما كان إلا أن أجابه الأسد قائلاً "لماذا تطرح هذا الأمور معي!"، فاستغرب الوزير لأنه كان يعرف مدى أهمية دعم سوريا للمقاومة، لكن الرئيس السوري استأنف كلامه قائلًا: هذه الأمور كلّها مرتبطة بالقائد قاسم سليماني، وبيده الأمر في كلّ ذلك".
كلام كان له وقعه الكبير لدى الوفد، قال الدبلوماسي أن كلام الرئيس الأسد يدل على "مكانة القائد سليماني عند القيادة السورية، ومدى الثقة به قبل ١٥ عامًا، أي قبل اندلاع الأحداث في سوريا والمنطقة، ليلعب الشهيد سليماني دوره التاريخي في مكافحة الإرهاب".
إن هذه الثقة المتبادلة كانت عاملًا مهمًا لنجاح التنسيق والتعاون بين إيران وسوريا كمحور مقاوم للسياسة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وما يزال كذلك حتى الساعة.
الكاتب: عبير بسام