"الثورات الملونة" هي تكتيك استخباراتي سياسي سريّ يتبعه الغرب خاصة الولايات المتحدة عادةً لتوسيع نفوذها إلى داخل حدود روسيا والصين وكل المناطق التي تتوافق مع الأهداف الرئيسية لاستراتيجيتها في إقامة نظام عالمي جديد، وفرض هيمنتها دون وجود أي طرف متصدٍ لها.
بدأت الموجة الأولى لها في الاتحاد السوفياتي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهو الهدف الأول للولايات المتحدة ومن بعدها الصين حيث زرعت محميات ومراكز أمريكية على حدود البلدين، إضافة إلى دفع العديد من دول حلف وارسو السابق إلى طلب تعاون اقتصادي سياسي أكثر عمقاً، الأمر الذي فاقم لاحقاً التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، وأدى إلى اقتراب العالم من نزاع محتمل بين القطبين.
ويتم الأمر على هذه الشاكلة، حيث تعمل وسائل الإعلام الغربية على تصوير هذه "الثورات" على أنها مطالبات شعبية ديموقراطية تطالب فيها شعوب هذه البلدان بنظام ديموقراطي بعيداً عن حكامها الفاسدين، وقد يستخدم الفاعلون فيها عادة أعلاماً أو أوشحة بلون معين، غير أن الواقع أبعد ما يكون عن ذلك المشهد المثالي الطوباوي الذي تتطلع إليه الشعوب، حيث تقوم المنظمات غير الحكومية الغربية ووسائل الإعلام بتنظيم وتمويل وتدريب أفراد ومجموعات معارضة، وبذريعة تزوير الانتخابات تخلق جواً عاماً بهدف تعبئة الاحتجاجات الجماهيرية للمطالبة بإيصال مرشحها إلى سدة الحكم.
تم تسميتها بالثورات الملونة لأن كل حركة اتخذت شعاراً لها له علاقة بالألوان لجذب الجمهور، ويعتبر جورج سوروس مهندس الثورات الملونة، والممول الرئيسي للصندوق الوطني للديمقراطية، ومؤسسة فريدوم هاوس الاميركي.
يعتمد الفاعلون في "الثورات الملّونة" شعار القبضة ويقصد به أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ويتحكم بمقدرات دولته دون تدخل السلطات العسكرية أو السياسية.
كان أول ظهور لشعار القبضة على كارت لعبة تسمى الايلوميناتي وهي لعبة تفضح خطط النخبة الصهيونية، وقام بوضع هذه اللعبة ستيف جاكسون منذ عام 1995. وهو ينتمي إلى منظمات سرية، وكشف في أحداث اللعبة عن تفاصيل هجوم 11 أيلول قبل الحادث ب 6 أعوام.
وفي جولة سريعة على أبرز الثورات التي شهدها القرن ال 21، نرى أنه كان لجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً والدول الشيوعية المعادية للغرب النصيب الأكبر منها. حيث كانت الثورة البرتقالية في أوكرانيا، القرمزية في التبيت، والوردية في جورجيا، وانتقلت تباعاً إلى البلدان العربية عام 2010 حيث بدأت بتونس وووصلت الى مصر فأطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، ومن ثم سوريا فأدخلت التنظيمات الارهابية إليها في محاولة لإسقاط الرئيس بشار الأسد، وليبيا واليمن وسميت "بالربيع العربي" والتي تركت خلفها خراباً شاملاً وفوضى عارمة وإخفاقاً في تحقيق النتائج المرجوة.
وفي تشرين الاول 2019 انطلقت ثورات ملونة في كل من لبنان والعراق ، تحت عناوين وشعارات مختلفة أهمها محاربة الفساد ، الاعتراض على الوضع المعيشي والاقتصادي، واسقاط النظام .
مطلع عام 2014 سربت منظمة أميركية وثيقة سرية خطرة تتحدث عن حقيقة "الربيع العربي" تكشف تورط البيت الأبيض والفريق الاستخباراتي الاميركي بالأحداث التي حصلت في البلدان العربية، وأكدت أن ما حصل هو حركات بعيدة عن العفوية بل كانت خطة أميركية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مشروع ممنهج، وهذا يؤكد أن مباركة الادارة الأميركية "للثورات" العربية لم تكن محض صدفة.
بعد أحداث 11 أيلول 2001 وإخفاقها الذريع الذي نجم عن غزوها للعراق عام 2004 أدركت الولايات المتحدة أن الدخول بحروب مباشرة تتكبد فيها خسائر مادية وبشرية هائلة سيقلب عليها الرأي العام المحلي والعالمي، فوجدت نفسها مضطرة لتغيير سياستها الخارجية حيث عمدت إلى "الحرب بالوكالة" تكون فيها أجهزة الأمن الاستخباراتية والسي آي إي رأس الحربة، وشعارات الديموقراطية هي الحملة الدعائية الأكثر رواجاً بين الشعوب، وما كانت "الثورات الملونة" إلا الوجه الآخر للغطرسة الأميركية.
المصدر: وكالات
الكاتب: غرفة التحرير