الثلاثاء 02 أيلول , 2025 03:14

انعطافة تاريخية في الموقف الأميركي من إسرائيل.. من أزمة صورة إلى تهديد استراتيجي

مظاهرات في الولايات المتحدة مؤيدة لفلسطين

تشهد الرؤية الأميركية تجاه إسرائيل تحوّلاً تاريخيًا عميقًا؛ فبينما كانت مكانتها ثابتة لعقود ضمن الإجماع الحزبي والديني والسياسي، أخذت الصورة بالاهتزاز مع تصاعد الحرب في غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية. لم يعد الموقف من إسرائيل مجرد قضية خارجية، بل أصبح مرآة تعكس صراعات المجتمع الأميركي نفسه: بين قيم العدالة وحقوق الإنسان من جهة، ومصالح التحالفات التقليدية من جهة أخرى. هذا التحوّل لا يتجلى فقط في استطلاعات الرأي، بل يتسرّب إلى عمق المؤسسات السياسية، والجيل الشاب، وحتى أوساط الجالية اليهودية الأميركية، التي لطالما اعتُبرت قاعدة دعم راسخة.

في هذا السياق، يوضح المقال الصادر عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي، وترجمه موقع الخنادق، أن إسرائيل تواجه أزمة غير مسبوقة في صورتها لدى الأميركيين، إذ تراجع الدعم لها بشكل ملحوظ بين الديمقراطيين، بل وامتد التآكل أيضًا إلى شريحة من الجمهوريين، لا سيما بين الأجيال الأصغر. الأرقام الواردة في استطلاعات الرأي تكشف أن التعاطف مع الفلسطينيين بات يفوق التعاطف مع الإسرائيليين، وأن نسبة متزايدة من الأميركيين باتت تعتبر ممارسات إسرائيل في غزة بمثابة "إبادة جماعية". كما لم يقتصر التراجع على الرأي العام فحسب، بل انعكس في مواقف بعض أعضاء الكونغرس، وداخل التيارات اليهودية الليبرالية التي بدأت تُصدر بيانات علنية تنتقد السياسات الإسرائيلية.

يتضح من هذا التدهور أن إسرائيل لم تعد قادرة على الركون إلى خطابها التقليدي أو إلى قواعد الدعم القديمة المتمثلة في المحافظين وكبار السن والإنجيليين، إذ لم تعد هذه الفئات وحدها كافية لضمان الغطاء السياسي الواسع الذي اعتادت عليه. ورغم استمرار إدارة بايدن وترامب في تقديم دعم عسكري ودبلوماسي واسع، إلا أن تصاعد الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي وتزايد الخطاب القومي داخل الجمهوريين يضعف من صلابة هذا الدعم على المدى الطويل.

ينتهي المقال إلى أن إسرائيل تواجه تهديدًا استراتيجيًا حقيقيًا إذا لم تُعد صياغة سياستها تجاه غزة والمنطقة، وتقدّم خطوات ملموسة تُظهر استعدادها لوقف الحرب، والسماح بالمساعدات الإنسانية، والانخراط في مسار سياسي يعيد بعض الثقة المفقودة. بدون ذلك، فإن التآكل المستمر في مكانتها داخل الولايات المتحدة لن يبقى مجرد أزمة علاقات عامة، بل سيتحوّل إلى خطر فعلي على قدرتها السياسية والعسكرية في المستقبل.

النص المترجم للمقال

كيف يتجلى الضرر الذي لحق بمكانة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي ـ على اليمين واليسار ـ وهل لا يزال من الممكن وقف هذا التدهور؟

تمر مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة بأزمة غير مسبوقة. فالدعم التقليدي لها يتراجع بشكل ملحوظ بين الديمقراطيين، وحتى بين بعض الجمهوريين. ويتجلى هذا التوجه بشكل خاص بين الشباب من كلا التيارين السياسيين. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الرأي العام تجاه إسرائيل يتأثر سلبًا وبشكل مباشر بسلوكها في الحرب والوضع الإنساني في قطاع غزة. كما يُلاحظ تراجع ملحوظ في الدعم وتزايد في الانتقادات الموجهة لإسرائيل في أوساط الجالية اليهودية، وخاصة بين التيارات الليبرالية. وقد تُلحق هذه الاتجاهات الضرر بحرية إسرائيل السياسية والعسكرية في العمل، وتُشكل تهديدًا حقيقيًا لأمنها، فبالإضافة إلى تزايد اعتماد إسرائيل على رئيس يُنظر إليه على أنه متقلب، تتزايد أيضًا داخل الحزب الجمهوري الانتقادات الموجهة لتحركات إسرائيل ومدى الدعم لها. ومن المتوقع أن تُصعّب الانتقادات الحادة الموجهة إلى القاعدة الديمقراطية على أي قيادة مستقبلية للحزب استعادة نطاق الالتزام الذي أُعطي لإسرائيل في الماضي. لا تزال إسرائيل تتمتع بقواعد دعم قوية، لا سيما بين اليهود الأمريكيين وكبار السن والمحافظين والمسيحيين الإنجيليين، لكن هذه القواعد وحدها لا تضمن دعمًا واسعًا ومستقرًا. إن استراتيجية إعلامية لا تدعمها تغييرات جوهرية في السياسات لن تُغير التوجهات، ولاستعادة مكانتها، يتعين على إسرائيل اتخاذ خطوات واضحة لإنهاء القتال، وتحسين الوضع الإنساني في غزة، وصياغة استراتيجية طويلة المدى تضمن استقرار علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.

تُعتبر إسرائيل حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا للولايات المتحدة. على مر السنين، تجاوز الدعم لها الخطوط الحزبية وارتكز على طيف واسع من المصالح المشتركة، لا سيما العلاقات الوثيقة القائمة على القيم والأمن. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، وخاصةً على خلفية الحرب في قطاع غزة، كانت هناك اتجاهات متزايدة تشير إلى تغير في المواقف العامة وحتى المؤسساتية في الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. وتتجلى هذه التغييرات بشكل خاص بين مؤيدي الحزب الديمقراطي، ولكن هناك أيضًا انخفاض كبير في الدعم بين الجمهوريين، وخاصة الشباب المنتمين إلى الحزب. وينبع هذا التحول من مجموعة عوامل، في المقام الأول من تغير الأولويات في الولايات المتحدة، إلى جانب عدم الرضا عن سلوك إسرائيل في السنوات الأخيرة، وخاصةً مع استمرار الحرب في غزة.

في يوليو الماضي، أظهر استطلاع رأي جديد أجرته مؤسسة غالوب أن 32% فقط من الأمريكيين يؤيدون العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، بانخفاض قدره 10 نقاط مئوية عن استطلاع مماثل أُجري في سبتمبر 2024. وأعرب 60% من المشاركين عن معارضتهم للعمليات العسكرية الإسرائيلية. أُجري الاستطلاع بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب مع إيران، وبالتوازي مع جولة مفاوضات بين إسرائيل وحماس حول وقف إطلاق النار واتفاق لإعادة الرهائن. في ذلك الوقت، هيمنت عناوين الصحف الأمريكية التي ركزت على تدهور الوضع الإنساني في غزة، بما في ذلك مزاعم عن مجاعة جماعية ومقتل عدد كبير من المدنيين أثناء محاولتهم استلام الطعام من مراكز توزيع "صندوق الإغاثة الإنسانية لغزة"، الممول من الولايات المتحدة وإسرائيل. كما نُشرت تقارير عن هجمات شنها متطرفون يهود على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك مقتل مواطن أمريكي.

تعكس البيانات تحولاً تاريخياً جذرياً: فبينما كان دعم إسرائيل متساوياً تقريباً بين المعسكرين السياسيين، اتسعت الفجوة إلى مستويات غير مسبوقة خلال ربع القرن الماضي، وخاصةً في السنوات الأخيرة. ولا تعكس هذه البيانات تحولاً أيديولوجياً داخل كل حزب فحسب، بل تعكس أيضاً تسييساً متزايداً للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، حيث تحول الموقف من إسرائيل من مسألة إجماع وطني إلى مؤشر على الانتماء الحزبي.

خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، تفاقم الوضع. دمج بعض الديمقراطيين التقدميين دعمهم للفلسطينيين في أجندة أوسع للنضالات الاجتماعية، وخاصةً بعد احتجاجات "حياة السود مهمة". خلال حرب "السيوف الحديدية"، ورغم دعم إدارة بايدن لإسرائيل، انتشر انتقاد إسرائيل لإيذائها المدنيين في غزة، وتراجع الدعم بين الديمقراطيين بشكل ملحوظ. ومع ذلك، تشير نتائج استطلاعات الرأي بوضوح إلى أن الدعم بين الجمهوريين، وخاصةً بين الشباب، يشهد اليوم، ولأول مرة منذ سنوات، تراجعًا ملحوظًا. حتى بعد تغيير الإدارة، لا تزال حرب "السيوف الحديدية" تؤثر على الرأي العام.

- من بين الديمقراطيين، عززت الحرب الأصوات المعارضة للسياسة الإسرائيلية، بما في ذلك الدعوات إلى ربط المساعدات العسكرية بتلبية الشروط الإنسانية.

- ومن بين الإنجيليين الشباب، عملت الصور القادمة من غزة على تعميق الفجوة مع الرسائل التقليدية للقيادة الدينية.

- وقد اشتد الجدل بين اليمين، وخاصة أنصار حملة "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، حول مدى استفادة الولايات المتحدة من المساعدات غير المشروطة المقدمة لإسرائيل.

الملخص

وضع إسرائيل في الولايات المتحدة في محنة غير مسبوقة: فبينما لا تزال بعض قاعدة الدعم التقليدية، وخاصة بين الجمهوريين الأكبر سنًا، مستقرة، فإن تآكل الدعم بين الديمقراطيين والمستقلين، وحتى بعض الجمهوريين، يثير علامات تحذير خطيرة. في الوقت الحاضر، تعتمد إسرائيل بشكل متزايد على رئيس يُنظر إليه على أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وعلى حزب، على الرغم من سيطرته عليه، ينتقد أيضًا ويشعر بخيبة أمل متزايدة تجاه تحركات إسرائيل ومدى الدعم الأمريكي لها. تعكس هذه الاتجاهات ليس فقط انتقادًا للسلوك العسكري والسياسي لإسرائيل، ولكن أيضًا تحولًا في القيم والأولويات بين الجمهور الأمريكي. إن تراجع التضامن الحزبي مع إسرائيل قد يضر بقدراتها الاستراتيجية والعملياتية، ويحد من مرونتها السياسية، ويتركها عرضة للتحديات الإقليمية. لذلك، فإن تآكل الدعم في الولايات المتحدة ليس مجرد قضية سياسية، بل هو تهديد حقيقي لأمن إسرائيل.

في ظل هذا الواقع، تحتاج إسرائيل إلى استراتيجية مُكيّفة لوقف التآكل المستمر وضمان صمودها الاستراتيجي والدبلوماسي في المستقبل. إن استراتيجية إعلامية لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا وشفافًا بالسياسات الفعلية ستفشل في تغيير الاتجاهات الحالية، وتشير التقديرات إلى أنه بدون خطوات ملموسة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، ستواجه إسرائيل صعوبة في استعادة مكانتها لدى القيادة العامة والسياسية في الولايات المتحدة.


المصدر: معهد دراسات الأمن القومي

الكاتب: إلداد شافيت تيد ساسون




روزنامة المحور