الجمعة 11 تموز , 2025 12:37

فشل الحسم الإسرائيلي واستراتيجية الانهاك الأميركي

جندي مهزوم وأعلام محور المقاومة

منذ معركة طوفان الأقصى في تشرين الأول 2023، تلاحقت حلقات المواجهة بين محور المقاومة والعدوّ الإسرائيلي لتنتقل من غزة، إلى لبنان، ثم إلى إيران، واليمن، والعراق، وصولًا إلى العمق الدولي في البحر الأحمر والخليج بمساعدة بريطانيّة - أميركيّة. ظاهريًا، يبدو أن "إسرائيل" تخوض حربًا متعددة الجبهات، وتفتح ملفات الصراع مع كلّ مكونات المحور. لكن عمليًا، لم تُغلق أي جبهة، ولم يُحسم أي ملف، بل باتت "إسرائيل" تُراكم الفشل على حدود الفشل، وتُدير أزمات مفتوحة تحت سقف عجزها السياسي والاستراتيجي عن الحسم، فتعدّد الجبهات لا يعني السّيطرة دائماً في إستراتيجيّات الحرب.

أولًا: ما المقصود باستراتيجية "فتح الملفات دون إغلاقها"؟

هو نمط عملياتي سياسي وأمني، يعتمد على تفجير ساحات الصراع دون استكمالها إلى نهايتها، والانتقال من جبهة إلى أخرى دون تثبيت إنجازات أو تغيير قواعد اللعبة جذريًا، فتح العدوّ الملفات التالية دون إغلاقها:

1- غزة: عجز عن إنهاء حركة حماس أو فرض نزع السلاح أو تحرير الأسرى (عسكريّاً) أو استعادة الردع، وهذا ما شهدناه في الكمائن الحاصلة في الفترة الأخيرة ( بيت حانون وغيرها من مناطق الغلاف)، فهي مؤشّر قوي على عدم القدرة على الحسم عسكريّاً في مقابل المجموعات الّتي تقاتل لامركزيّاً رغم كل الحصار.

2- لبنان: عجز عن القضاء على حزب الله، أو فرض عليه تنازلات إستراتيجيّة، أو جرّ الدولة إلى مواجهة داخلية.

3- إيران: فشل باغتيالات مركّزة وموجعة في دفع إيران إلى الرضوخ أو إسقاطها من الداخل.

4- اليمن: فشل في وقف الهجمات البحرية والصّاروخيّة رغم كثافة الغارات، أو منع تهديد العمق الإستراتيجي والجبهة الدّاخليّة.

5- الضفة: تصاعد العمل الإستشهادي في كلّ فترة، وظهور خلايا متجددة رغم القبضة الأمنية بالتنسيق مع السلطة.

6- العراق: استمرارية استهداف القواعد الأميركيّة في الأراضي العراقيّة في مراحل زمنيّة متقطّعة، واستهداف في بعض الأحيان إيلات داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.

7- سوريا: استطاع الاحتلال وللأسف إسقاط محور سوريا واستهداف خطوط الإمداد بقطعها دون إنهاء الوجود الفعلي لقوى مقاومة تكتيكيّة ربّما مع مرور الوقت تصبح إستراتيجيّة فاعلة (ليس الآن)، لكن تحتاج إلى مراحل عدّة تمرّ بها من التّشكيل إلى الدّعم إلى التّنظيم، وهذه هي الجبهة الوحيدة التّي صبّت في مصلحة الاحتلال، وكانت نتاج عمل استخباراتي، وسوء تقدير تركي وروسي، وتواطؤ من قبل القيادة السّورية الحاكمة اليوم.

ثانيًا: أسباب الفشل الإسرائيلي في إغلاق أي من هذه الملفات

-1- انخفاض القدرة على الحسم البرّي

تعاني "إسرائيل" من أزمة بنيوية في القدرة على تنفيذ اجتياحات برّية موسّعة أو السيطرة على أراضٍ في العمق المعادي، في غزة مثلًا، لم تستطع رغم شهور من المعارك أن تحسم السيطرة على مدينة واحدة بشكل كامل. في لبنان، تعي جيدًا أن أي تحرك برّي مجدّداً سيعني خسائر تتجاوز قدرة المجتمع الإسرائيلي على التحمّل.

-2- غياب العمق الاستراتيجي

"إسرائيل" كيان صغير محاط بجغرافيا عدائية؛ لا يملك عمقًا دفاعيًا يسمح له بخوض معارك دون المساس بأمن العمق الإستراتيجي. هذا ما يجعله عاجزًا عن تحمل نتائج المواجهة المفتوحة (مع إيران مثلاً)، فيضطر لوقف العمليات قبل الوصول للإنجاز السّياسي المطلوب.

-3- أزمة الردع المعنوي – العملياتي

بعد معارك طوفان الأقصى، واستخدام المحور للباليستي والفرط صوتي والمسيّرات الإيراني، بالإضافة إلى الصواريخ اليمنية، أدرك الكيان أن "الردع التقليدي" لم يعد فعّالًا، وأن خصومه باتوا يبادرون ويتحدّونه في قلب العمق من دون خوف. والردع النفسي والعسكري لم يعد متبادلاً، بل مفقودًا من جانب الاحتلال.

-4- هشاشة الجبهة الداخلية

الانقسام المجتمعي – السياسي، وفقدان الثقة بالقيادة، وتآكل الجبهة الداخلية جعلت من الحرب في جبهات متعدّدة تأخذ شكل الأيام القتاليّة لأسابيع فقط (كإيران) وليس لفترة طويلة الأمد (كغزّة) لأنّه خيارٌ مستحيلٌ. لم تعد "إسرائيل" قادرة على تفعيل الجبهات من دون ثمن سياسي داخلي باهظ، وهذا ما ذكرته في الكثير من الأوراق البحثيّة، باهتزاز الجبهة الدّاخليّة في الحرب الإيرانيّة، وانقسام في الرّأي الدّاخلي بين موبّخ ومؤنّب ومؤيّد لخطوة الحرب على إيران.

ثالثًا: الدّور الأميركي

-1- الإدارة الأميركيّة:

الولايات المتحدة في المنطقة لم تعد تخوض الحروب نيابةً عن أحد، بل تدير الأزمات وتُطيل أمدها لتقييد الجميع، ولضمان استمرار الحاجة إليها من جميع الأطراف، سياستها تجاه إسرائيل قائمة على:

- منع الانهيار دون تحقيق نصر.

- تأمين الدعم العسكري دون الانخراط الميداني.

- احتواء الفشل بدلًا من معالجته.

- الرّعاية لا الإنقاذ.

-2- الضغط على إيران:

المفاوضات النووية، والعقوبات، ودعم إسرائيل، والضّربة العسكريّة الشّكليّة، كلها أدوات ضغط دون أن ترقى إلى سياسة حاسمة، أميركا لا تريد حربًا مع إيران، لكنها أيضًا لا تريد انتصارًا إيرانيًا ساحقًا، هي تريد إدامة الاشتباك وضبطه عند سقف قابل للإدارة.

-3- مخاوف وول ستريت ومجتمع الشركات

تخشى أميركا من أن تؤدي حرب شاملة إلى:

- تعطيل الملاحة والنفط.

- توسيع النفوذ الصيني في الخليج.

- إفلات الملف الروسي الأوكراني من السيطرة.
لذلك فهي تُمارس "سياسة ضبط النار لا إطفائها".

رابعًا: ما الذي يعنيه استمرار فتح الجبهات دون حسم؟

- إنهاك دائم للجيش الإسرائيلي واستنزاف للموارد.

- تصاعد التوتر داخل الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

- ترسيخ فكرة أن "إسرائيل" عاجزة عن حماية نفسها.

- قناعة محور المقاومة بفعالية مراكمة القوة، لاستغلالها في الوقت المناسب.

خاتمة:

إن فشل الكيان الإسرائيلي في إغلاق أي من الملفات التي فتحها يعكس أزمة استراتيجية بنيوية لا يمكن ترميمها بالدعم الأميركي ولا بالإعلام، كما أن السياسة الأميركية القائمة على إدارة الأزمات دون حلّها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار إقليمي شامل خارج عن السيطرة.

تكتيك محور المقاومة حسب قراءة السّياق العام (رأي شخصي):

- محور المقاومة يبني استراتيجيته على فكرة "النصر بالتراكم"، لا "الحسم السريع".

- يعزّز تنسيق الجبهات – لا الانعزال في ساحات منفصلة.

- يستفيد من الوقت لإعادة التموضع العسكري والتكنولوجي.

- ينتج خطاب ردعي شعبي يعيد ثقة الأمة بمشروع المقاومة في ظل انسداد التّسويات السياسية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: الشيخ الأستاذ أحمد علاء الدين




روزنامة المحور