دخلت إيران وإسرائيل في مواجهة مفتوحة تُعد الأخطر خلال عقود بعد عدوان اسرائيلي سافر. أطلقت إيران سلسلة من الصواريخ الباليستية الدقيقة على أهداف استراتيجية داخل كيان الاحتلال، أظهرت محدودية قدرات الردع، وعكست عملية حصار واقعيّ مع تخريب للبُنى التحتية الحيوية وقدرات دفاعية مرهقة.
أكثر الأهداف إثارةً للقلق كان ميناء حيفا ومصفاة "بازان". وثّقت تقارير أضراراً وصفها خبراء بالكبيرة، لا سيما في شبكة أنابيب التكرير، ما أدى إلى توقّف العمل فيها. وبحسب التقارير، أُجبرت شركة "سونول" على تقليص أو وقف التوريد، في انعكاس مباشر على قطاع الطاقة في الداخل الإسرائيلي.
في مقابلة بتاريخ 16 حزيران/يونيو، قال الضابط السابق في مشاة البحرية وعضو فريق الأمم المتحدة لمراقبة الأسلحة في العراق سكوت ريتر أن "المصفاة لم تتعرض لضربة مشابهة منذ نشأتها، وإسرائيل تحاول التغطية على الحادث لأسباب تتعلق بالروح المعنوية".
الأمر لا يقتصر على ذلك؛ فقد طالت الهجمات مطار بن غوريون ومرافق عسكرية في الجنوب، ما دفع بإسرائيل إلى تحويل الرحلات ونقل بعض الطائرات الحربية إلى قبرص خشية الضربات المباشرة.
استخدمت إيران صواريخ باليستية من جيل أول، في ما بدا اختياراً مقصوداً. صواريخ قديمة تم تطويرها لتصبح دقيقة، في تكتيك هدفه إرهاق المنظومات الدفاعية الإسرائيلية: "الصواريخ الإيرانية قديمة، منذ نحو عشرين عاماً، لكن ما تم تطويره فيها هو الدقة. الهدف هو إرهاق منظومات الدفاع الإسرائيلي وتشغيلها المستمر" يقول ريتر.
صحيح أن إسرائيل اعترضت جزءاً من الصواريخ، إلا أن ما تبقى منها أصاب أهدافاً مدنية وصناعية وعسكرية، بينها محطات كهرباء ومستودعات ومساكن. ويؤكد محللون أن منظومات "القبة الحديدية" و"حيتس" و"THAAD" تعمل بكامل طاقتها، في حين كشفت تقارير أميركية عن نفاد مخزون الصواريخ الاعتراضية، في مؤشر إلى أزمة ذخائر دفاعية.
تكلفة الدفاع اليومي تُقدَّر بنحو 120 مليون دولار. لكن الأثر الحقيقي يظهر في الركود الاقتصادي، وتراجع الإنتاج الصناعي، وأزمة وقود بدأت ترتد على وسائل النقل وسلاسل الإمداد.
لم يأت الرد الإيراني عشوائياً، بل استند إلى ضربات دقيقة لمراكز ثقل اقتصادية وعسكرية. لم تسعَ طهران إلى توسيع المواجهة أو تدمير شامل، بل إلى إظهار قدرتها على الإنهاك المستمر.
تشير كثافة الضربات اليومية إلى أن المواجهة تستهدف العمق الإسرائيلي وقدرته على الصمود، اقتصادياً وأمنياً. سعت تل أبيب إلى التخفيف من وقع الهجمات إعلامياً، إلا أن تسريبات أفادت بنقل طائرات حربية إلى قبرص، ما يعكس إدراكاً داخلياً بخطورة التهديدات.
ويؤكد ريتر: "إسرائيل طلبت أسلحة خارقة للتحصينات لضرب منشآت إيران النووية، لكنها لم تنجح في اليمن حين استُخدمت ضد مواقع أنصار الله؛ وإيران محصّنة أعمق بكثير".
يبدو أن القيادة الإسرائيلية تتجه إلى تعزيز الإنكار بدلاً من المصارحة، في مشهد يعكس خللاً في توازن الردع الذي اعتادت تل أبيب فرضه.
توقّف مصافي "بازان" انعكس سريعاً على شركة "سونول"، ثالث أكبر موزعي الوقود في إسرائيل، التي أعلنت اضطرارها إلى تقليص الإمدادات. ويشير هذا إلى هشاشة احتياط الطاقة، وفشل إسرائيل في بناء منظومة صمود لوجستي في حال الحرب.
رغم التصريحات الأميركية الداعمة، فإن الداخل الأميركي يشهد انقساماً متزايداً. مسؤولون في الإدارة، خصوصاً من التيار الشعبوي المحافظ، يحذرون من الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع طهران. "هذه ليست حربنا"، كما نقلت صحف أميركية عن أوساط مرتبطة بجناح "أميركا أولاً".
يتحرك الكونغرس لتقييد قدرة البيت الأبيض على توسيع نطاق الدعم العسكري، في خطوة تعكس قلقاً بنيوياً من تورّط لا نهاية له.
في المحصلة، تقف إسرائيل اليوم أمام معادلة خطيرة: هجمات دقيقة تُنَفَّذ يومياً، بنية تحتية تتآكل، اقتصاد يتراجع، وحليف يدرس خطواته. الحرب مستمرة، وليست فقط على أرض طهران، والحصار لم يعد نظرياً في إسرائيل، بل واقع ملموس. ولا حاجة إلى صور الدمار لتأكيده، الأرقام تتكلم.
الكاتب: غرفة التحرير