تعدّ "الفزعة العراقية"، التي قام بها الشعب والعتبات المقدسة والحشد الشعبي والحكومة في العراق، واحدةً من أبرز وأنصع الأمور التي حصلت خلال العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان، من خلال ما قدمت وساهمت به، من تعزيز لصمود الشعب اللبناني، فكانت فعلاً كشريان حياة في وسط أزمة.
فهذه الفزعة لم تقتصر على مجال إغاثي دون غيره من المجالات، فكانت غنية كماً ونوعاً، ومادياً ومعنوياً، حتى وصل الأمر بالحكومة العراقية الى إصدار قرار بوصف النازحين بالضيوف، لذلك برز العراق خلال هذه الحرب وما قبلها كحليف مهم للبنان.
فما هي أبرز مبادرات المساعدات الإنسانية العراقية خلال الحرب، وأهميتها، وتأثيرها على جهود الصمود والتعافي في لبنان؟
_كانت المساعدات العراقية للبنان خلال الحرب متعددة الأوجه، وشملت المساعدات الغذائية والإمدادات الطبية وتوفير المأوى. وبحلول تشرين الثاني / نوفمبر 2024، كان العراق قد أرسل أكثر من 75 طنًا من المساعدات الغذائية والطبية، إلى جانب البطانيات وغيرها من الإمدادات الأساسية. وكان الكثير من هذه المساعدات موجهًا إلى السكان النازحين الذين يعيشون في مراكز لجوء مؤقتة بسبب تدمير المناطق السكنية. كما تضمنت الجهود الإنسانية العراقية إنشاء مراكز للاجئين في لبنان وترحيب باللاجئين اللبنانيين في العراق، وخاصة في مدينتي كربلاء والنجف.
_بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة العراقية ومؤسسات المرجعية الدينية والعتبات المقدسة بتنسيق الجهود لإرسال شحنات من الإمدادات الطبية، مع إرسال فرق متخصصة لعلاج المدنيين المصابين. كما فتحت المستشفيات العراقية أبوابها للمرضى اللبنانيين، وقدمت لهم كافة أشكال الرعاية الصحية.
_ بالرغم من الطابع الإنساني للمساعدة العراقية، إلا أن توصيلها الى لبنان فرض تحديات أمنية ولوجستية خطيرة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، أبلغت الإدارة الأمريكية الحكومة العراقية بنية الكيان المؤقت استهداف أي طائرة عراقية تخرق الحصار الجوي على لبنان (الذي فرض أواخر شهر أيلول / سبتمبر 2024).
وهذا ما دفع بالسلطات العراقية الى توجيه الكثير من مساعداتها عبر سوريا، مما أدى إلى زيادة أوقات العبور وخطر تعرضها للاستهداف الجوي عبر سلاح جو كيان الاحتلال الإسرائيلي أو بالبر عبر اعتداءات الخلايا النائمة لتنظيم داعش الوهابي الإرهابي. ومع ذلك، واصلت الحكومة العراقية والعتبات المقدسة جهودهما، وأظهروا التزامهما بدعم لبنان في أحلك الظروف التي يعيشها.
أهمية المساعدات العراقية
1)تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة: فقد كان للمساعدات العراقية تأثيره المباشر في تخفيف معاناة النازحين. بحيث ساعدت المواد الأساسية مثل الغذاء والبطانيات والإمدادات الطبية، في تخفيف الظروف المعيشية المزرية التي واجهوها في مراكز اللجوء. كما قامت الهيئات العراقية بتوزيع مبالغ مادية على بعض العوائل النازحة، مما ساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية، وتنشيط الحياة الاقتصادية في مناطق النزوح والإيواء.
2)تقديم المأوى المادي والمعنوي للنازحين: فقد برزت المؤسسات العراقية الحكومية والدينية والأهلية، بما قدمته من مساعدات فاقت الحدود المألوفة لذلك (إقامة حفلات زواج وأنشطة ترفيهية واجتماعية ودينية)، وهو ما قوى الروابط ما بين الشعبين اللبناني والعراقي، ستنعكس آثارها الإيجابية خلال العقود المقبلة بالتأكيد.
3)التأكيد على أهمية الرابطة الجغرافية بين دول المشرق العربي: فقد كان للطريق البري ما بين بيروت – دمشق – بغداد، دوره الأساسي في مساعدة وتسهيل لجوء النازحين الى العراق، وهذا ما يؤكّد أهمية هذا الطريق البرية، ويكشف أيضاً أحد أهداف الإصرار الأمريكي والإسرائيلي والإرهابي على قطع هذه الطريق أو تعطيلها بأي وسيلة.
4)قوة التضامن الإقليمي: تؤكد المساعدات العراقية على قوة التضامن الإقليمي والإنساني المشترك في مواجهة الشدائد، وهو ما كانت قوى الاستكبار العالمي تسعى الى ضربه دائماً. لذلك فإن هذا التضامن، الذي تجلى مثيله أيضاً خلال كارثة الزلزال التي ضربت سوريا وتركيا عام 2023، على أن التعاون الإقليمي كفيل بمواجهة كل التحديات التي تتعرض لها منطقتنا، ويمكن لهذا التعاون في حال شموله لمجالات أخرى أمنية وعسكرية واقتصادية وسياسية وعلمية، أن يرتقي بدول هذه المنطقة الى مستويات عالية جداً، بما يؤمن مصالح وتطلعات شعوبها.