على وقع زيارة الموفد الأميركي عاموس هوكشتين إلى لبنان لإجراء المباحثات حول وقف إطلاق النّار، وفي سياق التطوّرات الميدانيّة في الجبهة الجنوبية للبنان، حيث تتصدّى المقاومة للقوات الإسرائيلية وتمنعها من التمركز في الأراضي اللبنانية، أطل الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، واضعاً مُعادلة بيروت - تل أبيب لردع الضربات الإسرائيلية الجوية على العاصمة اللبنانية، وتطرّق في حديثه عن مقترح وقف إطلاق النار فرسم الخطوط الحمر التي لن تقبلها الدّولة اللبنانيّة ولا حزب الله في ما يتعلّق بخرق السيادة اللبنانيّة.
ما يجري في الميدان من محطات مفصلية تعكس مسار المفاوضات السياسية، التي تكثّفت يوم أمس مع بدء الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين زيارته إلى بيروت، وانتقل من بعدها إلى تل أبيب، في هذا الإطار، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين بأن "فشل إسرائيل في الحد من تهديد الصواريخ قصيرة المدى أدى إلى فرض ضغوط على حكومتها لتبني وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية مؤقتاً على الأقل". وأضافت بأنه في ظل استمرار إطلاق الصواريخ من لبنان "فإن الحملة الإسرائيلية غير قادرة على تحقيق أحد أهدافها الرئيسية بعودة عشرات الآلاف من السكان إلى الشمال".
وفيما يتعلّق بالمفاوضات، أعلن هوكشتين في كلمة مقتضبة عقب لقائه الثاني مع رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس "حقّقنا تقدماً إضافياً، وسأسافر إلى إسرائيل لمحاولة إنهاء هذا الأمر إذا استطعنا". مع الإشارة أن كل بند بالمسودة جرى الاتفاق عليه كان هوكشتين يجري اتصالاً بتل أبيب لتأكيد الموافقة عليه قبل الانتقال الى بند آخر، بحسب ما نُقل عن مصادر السفارة الأميركية. ونسبت القناة 12 إلى مسؤولين رفيعي المستوى في إسرائيل قولهم "إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن النقطتين الخلافيتين، فيمكن تحقيق وقف إطلاق النار خلال أسبوع، موضحةً بأن النقطتين تتعلقان بحرية التحرك الإسرائيلي في لبنان، وبتشكيل لجنة إشراف". وقالت إن "إسرائيل تعتبر حرية التحرك في لبنان خطاً أحمر غير قابل للتفاوض". لكنها أشارت إلى أن هاتين النقطتين "قد تُدرجان في اتفاق جانبي مع الولايات المتحدة".
وعلى إثر اللقاء في بيروت، غادر الموفد الأميركي أمس إلى تل أبيب، حاملاً معه "التقدم" الذي حقّقه خلال زيارته لبنان. وبدأت التكهنات -مع عدم إغفال التشكيك في النوايا الإسرائيلية- بأن الجولة الحالية قد تفرز خاتمة حول البنود التنفيذية للقرار1701 وآلية الإشراف الدولية ومجمل أوضاع الحدود بعد وقف الحرب. إلا أن الآمال بوقف العدوان تبقى محدودة إلى الآن، على الرغم من ارتفاع نسبة نجاحها، أو بالحد الأدنى فتح مساراً أكثر إيجابية يتعلق بنقاط مشتركة تم التوافق عليها خلال المفاوضات الجارية.
وبينما كان المبعوث الأميركي أموس هوكشتين يخوض مفاوضات حول وقف إطلاق النار، كانت المقاومة تستهدف الدبابات الإسرائيلية التي تحاول التقدم في شمع والخيام ومركبا وبنت جبيل وكفرشوبا بهدف استخدام هذا التقدم في المفاوضات.
فعلى الصعيد الميداني، وعلى الرغم من التفاوت في التكنولوجيا والقدرات التسليحية الهجومية التي يتمتع بها الاحتلال، نجحت المقاومة الاسلامية في صد هجمات العدو في المحاور الثلاثة (شمع والبياضة - بنت جبيل - الخيام)، والذي يُشير إلى أهمية التكتيكات المستخدمة من قبلها (الاستطلاع التكتيكي الفوري - الكمائن - الهجمات الصاروخية والمدفعية - مقاومة التقدم البري بالصواريخ الموجهة) وتأثيرها على مسار العمليات. كما أبرزت جولات القتال الأخيرة أهمية عناصر حيوية تتعلق بالمعنويات والحفاظ على إرادة القتال والتكيف مع تغير الظروف على أرض الميدان. حيث تُشير المعلومات إلى نجاح المقاومة الإسلامية في إبطاء التقدم الإسرائيلي وإلحاق خسائر به، خاصةً في الخيام وبنت جبيل ومحور البياضة. في هذا السياق، نقلت وسائل إعلام عبرية عن إصابة قائد لواء "جولاني" بجروح بعدما فتح عناصر حزب الله النار عليه جنوبي لبنان بالإضافة إلى إصابة قائد سرية في الكتيبة 13 التابعة للواء جولاني بجروح خطيرة في نفس الاشتباك.
لم يتمكن جيش الاحتلال المأزوم المصمم على التقدم في جميع المحاور مهما كانت الخسائر التي يتكبدها في الموارد (البشرية والمادية) من مزامنة عملياته الواسعة مع مخطط المرحلة الثانية (توسيع العملية البرية) وهذا الاستعجال الذي يتعاظم مع مرور الوقت وعدم تحقيق نتائج مرضية في الميدان قد يدفع بالعدو إلى ارتكاب خطأ أو سلسلة أخطاء كبيرة تجعل المرحلة الثانية في معرض التساؤل عن جدواها.
بلغت عمليات المقاومة أمس 22 عملية شملت الضربات الوقائية، ردع العدو برياً، استهداف العمق، والدفاع الجوي، ويشير تنويع الأهداف المُستهدفة إلى السعي لإلحاق أكبر قدر من الضرر بالعدو، وتشتيت قواته التي عملت على توزيع جغرافيّة هجماتها ومحاول التقدم في مناطق محددة، خاصة في محور الخيام.
العمليات البرية في المحاور (الاول – الثاني – الرابع)
يُغطي هذا التحليل المحاور الثلاثة الرئيسية التي تخوض فيها المقاومة عمليات برية في الميدان، مع التركيز على تكتيكات كل من المقاومة الإسلامية وجيش العدو، بالإضافة إلى تقييم أداء كل طرف.
المحور الأول: منطقة عمليات الفرقة 146 (شمع - البياضة)
الهدف الرئيسي: السيطرة على البياضة بعد اجتياز شمع وعزل بلدة الناقورة.
الأداء: مع استمرار المقاومة في الناقورة وطير حرفا والقسم الغربي من شمع وكامل البياضة. يُشير تحليل هذا المحور إلى أهمية النقاط الدفاعية في شمع والبياضة ودورها في تأمين منطقة العمليات الساحلية للمقاومة وحماية العمق الاستراتيجي (سهل القليلة باتجاه صور – اتوستراد البياضة باتجاه الناقورة).
المحور الثاني: منطقة عمليات الفرقة 36 (بنت جبيل)
الهدف الرئيسي: السيطرة على بنت جبيل، وهي نقطة استراتيجية مهمة.
تكتيك جيش العدو:
- الضغط المستمر: مواصلة الضغط من عدة اتجاهات للولوج إلى بنت جبيل وثمة ترجيح بأن العدو سيدفع بالدروع فور نجاحه في جنوب بنت جبيل (من جهة يارون أو مارون الراس).
- محاولة تحطيم خط الدفاع: يضغط جيش العدو بقوة كبيرة لتجاوز خطوط دفاع بنت جبيل من جهة يارون ومارون الراس وعيترون بهدف الوصول إلى بوابتي بنت جبيل الجنوبية والشرقية.
تكتيك المقاومة الاسلامية:
- الهجمات الصاروخية: استهداف مواقع جيش العدو شرق وشمال مارون الراس ويارون لإعاقة تقدمه وتشتيت قواته فضلاً عن استهداف مناطق التحشيد في مستعمرات المالكية ويرؤون وآفيفيم ومستعمرة سعسع التي تعتبر خزاناً تعبوياً للقوات التي تناور هجومياً في هذا المحور.
- الكمين: نصب كمين لقوات لواء جولاني على مفرق عيترون - عيناتا - بنت جبيل.
- مكافحة الدروع ودبابات الميركافا المتوغلة: إعطاب أي دبابة أو آليات مدرعة تتجمع قرب بنت جبيل ومنعها من الحركة أو التقرب الهجومي في هذا المحور.
الأداء: نجاح المقاومة الاسلامية في إبطاء تقدم جيش العدو وإلحاق الخسائر به، وإفشال كل محاولاته الهجومية على بنت جبيل ومنعه من الاندفاع بالمشاة (لوائي غولاني واللواء السادس) وبالدروع (اللواء 188 المدرع) لتجاوز خط الدفاع الأول والوصول إلى مشارف بنت جبيل الجنوبية والشرقية.
المحور الرابع: منطقة عمليات الفرقة 210 (الخيام - كفرشوبا)
الهدف الرئيسي: السيطرة على الخيام وكفرشوبا، اللتان تعتبران نقطتين استراتيجيتين بسبب موقعهما ودورهما في عمليات المقاومة الاسلامية.
تكتيك جيش العدو:
- هجوم متعدد المحاور: الهجوم على الخيام من ثلاث جهات (المسلخ، الشرق، الشمال) بهدف تشتيت قوة المقاومة الاسلامية.
- القصف التمهيدي: استخدام القصف الجوي والمدفعي المكثف لإضعاف دفاعات المقاومة الاسلامية قبل بدء أي هجوم بري.
- استخدام الدبابات: الدفع بدبابات الميركافا إلى معركة الخيام للاستفادة من قوتها النارية.
تكتيك المقاومة الاسلامية:
- صد الهجمات: التركيز على صد هجمات جيش العدو في محوري المسلخ والشرق وإجهاض أي اندفاعة سريعة من الشمال قبل أن تبدأ.
- الهجمات الصاروخية والمدفعية: استخدام الصواريخ والمدفعية لعرقلة تقدم جيش العدو وإلحاق الخسائر به.
- التحضير لمعركة مكافحة الدروع: تفعيل دور وحدة ضد الدروع للتصدي لدبابات الميركافا وأي آليات قد تستخدمها قوات مشاة العدو الميكانيكية أو لواء المظليين 35.
الأداء: نجحت المقاومة الاسلامية في صد الهجمات على محوري المسلخ والشرق، بينما دارت معركة شرسة في المحور الشمالي. يُشير استمرار الهجوم على كفرشوبا إلى صعوبة الوضع في هذا المحور ومحاولة الاندفاعة من محوري الخريبة وابل السقي باتجاه الشمال يوحي بمعارك مستقبلية طاحنة بين الدروع المعادية وقانصي الدروع.
بالتوازي مع المفاوضات والأخذ والرد السياسي، وزيارة هوكشتين في بيروت وتل أبيب، تسير النجاحات العسكرية للمقاومة الإسلامية، وتفشل مخططات العدو، واستطاعت حتى اليوم الحفاظ على مواقعها الاستراتيجية وإلحاق الخسائر المادية والبشرية بالقوات الإسرائيلية. وينبغي التنويه إلى أهمية التكتيكات المستخدمة من قبل المقاومة، ودورها في تحقيق هذه النتائج.
من المتوقع أن يستمر العدو في الضغط العسكري المصاحب مع المفاوضات السياسية، عبر محاول التقدم البري واستهداف المدنيين بارتكاب مجازر جديدة، ولكنه سيواجه مقاومة شرسة وصعوبات كبيرة في تحقيق أهدافه بما في ذلك العودة إلى تثبيت معادلات تحمي المدنيين من الاستهداف، وآخرها معادلة بيروت-تل أبيب.
الكاتب: غرفة التحرير