الإثنين 25 تشرين ثاني , 2024 01:39

يوم مفصلي للمقاومة: الحرب على مفترق طرق إما الإذعان السياسي أو التصعيد العسكري

الجبهة اللبنانية بين حزب الله وكيان الاحتلال

يوم تاريخي ومفصلي في عمليات المقاومة الإسلامية النوعية سطرها حزب الله يوم أمس 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، إذ بلغ عدد العمليات سقف 51 عملية، افتتحت باستهداف قاعدة "بلماخيم" الجوية جنوب تل أبيب بصلية من الصواريخ النوعية بالإضافة إلى 9 قواعد من عكا الى ما بعد تل ابيب، من بينها استهداف للمرة الأولى قاعدة اشدود البحرية (150 كلم) وقاعدة غليلوت (مقر الوحدة 8200) في ضواحي العاصمة، و14 مدينة ومستعمرة.

أمطرت صواريخ المقاومة بصليات فادي 6 وقادر 2 والمسيرات الانقضاضية ذات المدى البعيد الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووصل عمق الاستهداف إلى 150 كلم شلّت حياة المستوطنين، وأنزلت نحو 4 ملايين الى الملاجئ. ولم تقتصر إنجازات يوم أمس على استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ودوي صفارات الإنذار504 مرة، بل تعدّى إلى إجبار قوات الاحتلال براً على التراجع في محور البياضة وكذلك في أطراف مدينة الخيام تحت نيران المقاومة، في استبسال منقطع النظير في صد محاولات التوغل، وتثبيت سيطرة جيش الاحتلال في قرى الحافة الأمامية للأراضي اللبنانية. ودمرت الصواريخ الموجّة 6 دبابات في منطقتي التوغل الاسرائيلي البياضة في القطاع الغربي وديرميماس في الاطراف الغربية للقطاع الشرقي وتم تدميرها وإحراقها وقتل وجرح من فيها.

في سياق متّصل، تتناغم تكتيكات المقاومة الإسلامية مع المسار السياسي للمفاوضات، وتعتمد استراتيجية رفع الأكلاف التي يتعين على العدو دفعها باستمراره في العملية البرية والاستهدافات الجوية. ويحاول الكيان الإسرائيلي استغلال توقيت حساس مع اقتراب نهاية العملية التفاوضية بتحسين موقعه التفاوضي، فقابلته المقاومة بيوم استثنائي مليء بالرسائل العسكرية والسياسية، تدحض أي سوء فهم لتفاعلها الإيجابي مع مبادرات وقف النار، والتي حسم فيها لبنان موقفه الإيجابي لجهة الموافقة عليها بعد تقديم ملاحظاته على الورقة الأميركية، وتثبيت مطلبي وقف إطلاق النار وعدم المس بالسيادة اللبنانية.

بناءً عليه، يمكن القول إن المقاومة تموضعت أمس الأحد في موقع تصعيدي عالٍ جداً فاجأ العدو بنوعية وكثافة العمليات، وثبّتت شروط المفاوضات بعدم تقديم تنازلات لبنانية يجهد الاحتلال عبثاً لتحقيقها بعد استنفاد بنك أهدافه الجوي، وفرضَ إعادة قراءة لجدوى المرحلة الثانية للعملية البرية.

خلاصة الوضعية العامة في معركة أولي البأس ليوم الأحد 24-11-2024

على الصعيد الميداني، دفع العدو بدروعه كافة للمشاركة في معركتي الخيام والبياضة، حيث استغلت قيادة العدو الجو الماطر والانتشار الكثيف للضباب الذي يخيم على معظم القرى الحدودية في الجبهة، لتزج باستعدادات كبيرة من ألوية الدروع توازي 6 ألوية تعمل منها اليوم 9 أو 10 كتائب مدرعة في الميدان. وهذا يفسر ارتفاع عدد الدبابات المدمرة في الساعات الـ 48 الماضية إلى 8 دبابات في محور البياضة.

يعتبر زج 6 ألوية مدرعة (500 دبابة) تنشط حتى الآن 165دبابة منها في محاور الخيام والبياضة ونقل كتيبتي دبابات من منطقة عمليات الفرقتين 36 و91 إلى منطقتي عمليات الفرقتين 146و210 دليلاً على حجم المأزق العملياتي الذي يعيشه جيش العدو على الجبهات اللبنانية ويعطينا ذلك صورة عن حجم الخلل في المعارك الطاحنة التي تجري في البياضة والخيام والتي يناورها المقاومون بالقتال الكربلائي وبتكتيكات دفاع وتعرض مناسبة. وكما يبدو فإن القتال في حاضرتي الخيام والبياضة لم يعد قتال تكنولوجية وقدرة مناورة نارية فقط بل تحول إلى قتال بين الاذكياء والفاشلين، وغدا نمطاً من الحرب التي تفرض فيها القوة الراجحة نفسها في المعركة من خلال تأكيدها الميداني المتواصل على تمسّكها بإرادتها في القتال.

تحليل وتقييم تكتيكات وأداء المقاومة

يظهر واضحاً أن تكتيكات المقاومة كانت مُصممة للتعامل مع هجوم مُدرّع واسع النطاق من قبل العدو واستدراجه واستنزافه فيبدو أن المقاومة استدرجت قوات العدو المدرعة إلى مناطق مُحددة (مثل البياضة والخيام) حيث يمكن استهدافها بفعالية. ويُشير التركيز الناري على هذه المحاور، خاصةً مع تدمير 8 دبابات في البياضة وحدها إلى استراتيجية استنزاف قوى العدو وتكبيده خسائر فادحة في العتاد. ويُشير نقل كتائب دبابات من الفرقتين 36 و91 إلى منطقة عمليات الفرقتين 146 و210 وسرعة تكيف المقاومة مع التعديلات الجديدة في استعدادات العدو إلى مرونة المقاومة وقدرتها على إعادة توزيع قواتها حسب تطورات المعركة.

يُمكن وصف تكتيكات المقاومة بأنها "قتال هجين"، حيث تجمع بين أساليب حرب العصابات التقليدية (الكمائن، القتال المتلاحم) والتكنولوجيا المتقدمة (الصواريخ الموجهة، المسيرات). هذا المزيج يُمثل تحدياً كبيراً للجيوش التقليدية التي تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا. واستغلت المقاومة الجو الماطر والضباب الكثيف للحد من فعالية سلاح الجو المعادي وزيادة فرص نجاح عملياتها.

تقييم لأداء كل محور:

- المحور الأول (الفرقة 146): أداء ممتاز في استدراج واستنزاف قوات العدو المدرعة في البياضة، وتحقيق خسائر فادحة في الدبابات.

- المحور الثاني (الفرقة 36): على الرغم من تراجع حدة الاشتباكات، إلا أن الهجوم على مقر قيادة اللواء 188 المدرع يُشير إلى قدرة على تنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو.

- المحور الثالث (الفرقة 91): أداء جيد في إجهاض محاولات التوغل، واستهداف الدبابات، وتثبيت قوات العدو بنيران المدفعية والصواريخ.

- المحور الرابع (الفرقة 210): أداء ممتاز في استنزاف قوات العدو المدرعة في الخيام، وصد الهجمات المتكررة.

أظهرت المقاومة تفوقاً تكتيكياً واضحاً في معارك الأحد 24-11-2024، حيث نجحت في استدراج واستنزاف قوات العدو المدرعة، وكبدته خسائر كبيرة، مع استمرار الحفاظ على عنصر المبادرة. واستغلت الظروف الجوية واعتمدت تكتيكات حرب العصابات، مما يُشير إلى تخطيط دقيق، تنسيق فعال، وقدرة عالية على التكيف مع تطورات المعركة.

الخبرة التي أظهرتها المقاومة في إدارة وتنفيذ عمليات نوعية ومركبة تعكس معرفة دقيقة بخصائص أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي الإسرائيلي وكيفية مشاغلتها بمسيرات وصواريخ ذات مدى أقل قبل أن ينقض الصاروخ الأساسي على هدفه. وأفهمت من خلالها المقاومة العدو بالنار أن لديها ما يكفي من المخزون الاستراتيجي لاستعادة زمام المبادرة والضرب المستمر في العمق الاستراتيجي الإسرائيلي، وهي تخرج له كل يوم أنواع جديدة من الصواريخ، وآخرها كان إخراج الصواريخ المجنحة الى الخدمة، مع ما تمتاز به من قدرة على المناورة والتخفي عن الرادارات والدقة في إصابة الأهداف.

ختاماً، تأثير يوم أمس كبير على المستقبل القريب إن لجهة إجبار العدو على حسم خياره والموافقة على ما وافق عليه لبنان، او الذهاب الى مرحلة تصعيدية تملك فيها المقاومة الإرادة والعتاد والخبرة لمواجهتها، إذن نحن أمام مفترق طرق مفصلي يتعلق بالحرب مع الكيان، إما إذعان العدو والسير بالمسار الدبلوماسي لوقف إطلاق النار، أو تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان واحتدام المواجهة البرية وبالتالي الاستمرار في دك المستعمرات والقواعد العسكرية الإسرائيلية من قِبل المقاومة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور