أثبتت الجمهورية الإسلامية في إيران ومازالت، خلال كل السنوات ما بعد انتصار ثورتها، أنها رائدة الديمقراطية في منطقة غرب آسيا. بل يمكننا اعتبارها نموذجاً فريداً، لا يشبه ديمقراطيات الدول الغربية المبنية على المصالح المادية، حينما أدخلت البعد الإسلامي الذي يركز على القيم، في صلب عملية اختيار الشعب لممثليه في الحياة السياسية، ضمن مفهوم "السيادة الدينية".
وبالطبع فإن إيران تتفوق بأشواط على الدول المحيطة بها، التي إن صادف بأنها تجري انتخابات ما، فهي لدفع ضغوطات أمريكا فقط، أو لإظهار صورة إعلامية لا أكثر. فصاحب القرار الأوحد فيها هو الملك أو الأمير، او من يمثله وينوب عنه، وغالباً لا يكون سوى أخوه أو ابنه. وللمفارقة فان جميع الدول العربية التي لا ينتخب شعبها الحاكم، أو لا يمارس فيها أي دور سياسي فعلي، هي الممالك والإمارات التي تتحالف مع واشنطن التي تحميها، منذ تأسيسها في مطلع القرن الماضي.
أما بالنسبة لإيران، فقد كان قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني الراحل، من أشد المدافعين عن دور الشعب، في تقرير مصيره وانتخاب ممثليه في كل السلطات السياسية. وهذا ما دفع بالإمام الراحل ليقول في مناسبات عدة، أنه لا يخاف على مستقبل الجمهورية الإسلامية، التي ستظل صامدة وقوية رغم كل التحديات والمواجهة مع الأعداء، في ظل وجود هذا الشعب الإيراني، الذي ستكون له كلمة الفصل في كل المراحل.
فالإمام الراحل منذ مراحل ما قبل الثورة، ومن ثم بعد انتصارها، كان مهتماً بشدة لأن تكون خطاباته أو ما يصدره من قرارات، تنسجم مع المعايير الدينية من جهة، وتعبر بقوة عن آراء الفئات الشعبية المختلفة من جهة أخرى.
وهذا الذي أوقع بالكاتب المصري محمد حسنين هيكل في خطأ التقدير، عبر كتابه الشهير "مدافع آية الله"، حينما قال بعد زياراته للإمام قبل وبعد انتصار الثورة مباشرة، بأنه لا وجود لبرنامج عمل وأهداف واضحة للثورة او عند الإمام.
لكن الإمام الخميني كان يعتبر أن أساس أي خطوة أو قرار يتخذ ويتعلق بمستقبل الدولة، يجب أن يكون نابعاً من إرادة الشعب بنفسه. لذا كانت دعوته لمختلف الفئات الشعبية، بأن يشاركوا في الاستفتاء العام، لتحديد هوية ونوع النظام والحكومة، الذي يريده الشعب بديلا عن النظام الملكي الذي اطاحت به الثورة الاسلامية.
فتم إجراء هذا الاستفتاء الشعبي بعد شهرين فقط من انتصار الثورة الإسلامية، وشارك فيه الشعب بنسبة 98,2% ممن يحق لهم التصويت. وأفرز هذا الاستفتاء عن تأييد أكثر من 99% من المقترعين، لقيام نظام الجمهورية الإسلامية.
كما أنه كان دائماً يشجع على أكبر مشاركة في الانتخابات المختلفة، بل وأصر على احترام المواعيد الدستورية للانتخابات الرئاسية، حتى خلال الحرب المفروضة عليه أمريكياً، بتنفيذ من نظام صدام حسين. ففي كل الدول التي تخوض حرباً ما، يعطل الدستور فيها ويستعاض عنه بقانون الطوارئ، الذي يلغي أي دور للشعب في القرار.
الشعب ينتخب كل السلطات
ثم توالى إجراء عمليات الانتخاب والاستفتاء الشعبي في إيران خلال السنوات التالية، والتي أظهرت مدى حيوية النظام السياسي من خلال نسب المشاركة المرتفعة دائماً، وكيف يمثل الشعب حقيقة وواقعاً الدور المقرر والأساسي فيه:
_ فعلى صعيد الدستور شارك الشعب في 3 مراحل:
1)انتخاب خبراء صياغة الدستور في مطلع صيف العام 1979.
2)إقراره في شهر 12 من العام نفسه.
3) تأييد التعديلات التي أجريت عليه في شهر آب 1989.
_ أما على صعيد المجالس الإسلامية للمدن والقرى، فقد شارك في 6 انتخابات، يضاف اليها الانتخابات الحالية.
_ وعلى صعيد الانتخابات مجلس الشورى (النيابي): تمت المشاركة في 11 دورة انتخابية للمجلس.
_ وعلى صعيد مجلس خبراء القيادة: شارك الشعب بانتخاب 5 دورات للمجلس، بالإضافة الى المشاركة في الانتخابات الملحقة بعد وفاة أعضاء المجلس.
_ أما بالنسبة لموقع الرئاسة فقد أجري بالإضافة الى الانتخابات الحالية 13 دورة انتخابية.
دول الخليج المتحالفة مع أمريكا أغلبها أنظمة ديكتاتورية
أما إذا نظرنا الى الواقع السياسي السائد في دول وممالك وإمارات الخليج، فسنجد أن السمة الأبرز والمشتركة بينها هي غياب الشعب عن القرار، وتمحور السلطة والصلاحيات بيد الملك او الأمير. كما أن أكثر شيء ملفت أيضاً، هو أن جميع هذه الدول تتحالف مع الولايات المتحدة الامريكية، التي تدعي بأنها داعمة الديمقراطية في العالم، وتعمل على نشرها في الدول، لكن يبدو أن ذلك سيتعارض مع مصالحها في هذه المنطقة.
أما لماذا يخاف حكام الدول الخليجية، من وصول الشعب الى أي مركز ذات سلطة قرار، فذلك يعود للأسباب التالية:
1)لضمان استمرارية حكم العائلة بعد مرور كل هذه العقود، بحيث يورث الملك أو الأمير ابنه أو أخاه، ليكمل سياساته وتحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة.
2)لا يرغبون بإعطاء الصلاحية للشعب، للقيام بإصدار وتنفيذ قرارات تعارض مصالحهم الذاتية، وتسلب من سلطاتهم وصلاحياتهم.
3)أن يؤدي إعطاء حق الانتخاب، إلى تصاعد المطالبات الشعبية لتصل الى حق إقرار دستور، وحكم دستوري، ولاحقاً المطالبة بقيام نظام سياسي جمهوري.
4)حرمانهم من الامتيازات المادية الكبيرة، ومن التصرف في أملاك البلد العامة. فعند النظر الى هذه الدول نجد طبقة من الامراء يليها طبقة الموظفين المحظيين، ومن ثم يأتي أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين وأخيراً المواطنين العاديين.
الكاتب: غرفة التحرير