تركزت الدعاية الأميركية الغربية منذ بدء العمليات العسكرية في جبهات الاسناد على تقديم الحدث على أنه محاولة من قوى محور المقاومة إلى جر المنطقة "إلى حرب إقليمية"، بهدف تبرير الاعتداءات التي يرتكبها كيان الاحتلال من جهة وتأليب الرأي العام العربي والعالمي ضد المقاومة من جهة أخرى. في حين أثبتت الوقائع أن التصعيد هو قرار إسرائيلي بمظلة أميركية وأن المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة، ما هي إلا "عرض مسرحي" للحفاظ على بقايا السردية الإسرائيلية بأنها "تدافع عن نفسها"، على الرغم من أن رئيس الوزراء يبتكر مزيداً من العراقيل في كل مرة، للاستمرار بحمام الدم في قطاع غزة.
عكس بيان حماس الذي أصدرته بعيد دعوتها لجولة التفاوض الأخيرة الذي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، فهم الحركة العميق للاستراتيجية التي يتبعها الكيان. حيث سلط البيان على تزامن الدعوات الأميركية لعقد جلسات التفاوض مع ارتكاب الاحتلال مزيد من المجازر كسياسة ضغط. فيما كان البيان الأخير، الذي عقبت به الحركة على مخرجات الجلسة الأخيرة مصداقاً لما باتت مقتنعة به، وأن الهدف من هذه اللقاءات هو "التفاوض لأجل التفاوض" لا غير. في حين ان التزام قوى المقاومة في تأجيل الرد افساحاً في المجال امام انفراجة ما، دون التعصب لأولوية الرد لأجل الانتقام فحسب، يعكس من جانبه، أن الهدف الموحد لدى هذه القوى، هو ما يخدم المقاومة الفلسطينية أولاً، أي وقف إطلاق النار. وهذا ما يضاف إلى عدد من الحقائق بأن قرار التصعيد هو إسرائيلي المنشأ بمباركة ورعاية أميركية:
-المجازر: اختار كيان الاحتلال رئيس المجلس السياسي للحركة الشهيد إسماعيل هنية الذي كان يدير العملية التفاوضية هدفاً لاغتياله في الوقت الذي كان الوسطاء يحضرون لجولة أخرى من التفاوض. كما ارتكب مجزرة بحق النازحين في مدرسة التابعين في حي الدرج بغزة وهم يؤدون صلاة الفجر في 8 آب/اغسطس، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 100 من المدنيين وجرح ما يزيد على 250 منهم.
يرافق هذه المجازر شرط إسرائيلي بعدم الانسحاب من قطاع غزة، على عكس ما تطلبه الحركة، بل الاشراف المباشر على انتقال المدنيين إلى شمال القطاع ودخول المساعدات الإنسانية لضمان عدم وصول ما يحتاج إليه الفلسطينيون الذي يعيشون تحت وطأة الحرب والحصار والأوبئة والابادة المستمرة بحق عائلاتهم.
-تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو بضرورة تحقيق "النصر المطلق" على الرغم من مضي أكثر من 10 أشهر دون قدرته على تحقيق أي من الأهداف التي وضها، وإصراره على الحصول على تعهد أميركي مكتوب يضمن إمكانية متابعة الحرب بعد تنفيذ المرحلة الأولى. ويهدف الكيان بذلك إلى سحب ورقة الأسرى من يد حماس ثم المضي في الأعمال القتالية على أجل غير مسمى. بالمقابل، لم تعلن حماس لمرة واحدة نيتها بإطالة أمد الحرب بل وافقت على المقترح الأميركي الذي أعلنه الرئيس جو بايدن، بطريقة تسحب الذرائع من يد إسرائيل التي بدورها تخلفت عن كل التزاماتها سابقاً، كتلك التي ترجمت في الميدان بعد أن كانت تعلن مربع ما منطقة آمنة، ثم ترتكب فيه عشرات المجازر خلال ساعات.
-استمرار الدعم الأميركي بالأسلحة يتناقض مع دعوات وقف إطلاق النار والصورة التي تسعى واشنطن لإظهارها بأنها تريد وقف الحرب. كما أن استقدام حاملات الطائرات إلى المنطقة من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط وعسكرة المنطقة، يخدم الاحتلال في أجندته ويشي بأن الإدارة الأميركية قد أعطت إسرائيل ضوءاً أخضر لتجاوز الخطوط الحمراء وخرق قواعد الاشتباك ثم الاستنفار لمنع الرد على اعتداءاتها. من ناحية أخرى، لا تهاب قوى المقاومة الحرب ان فرضت، والتموضع في خانة الدفاع عن النفس ليس ضعفاً، وقد أثبت الميدان صدق الرواية.
الكاتب: غرفة التحرير