خلال مناظرة غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، وقف الرئيس الحالي في مواجهة رئيس سابق لمناقشة برنامجهما الانتخابي، في استديو أُخليت عمداً من الجمهور. وكسابقة سجّلت أيضاً، لم يكن أيّاً من الرجلين قد نال ترشيح حزبه بشكل رسمي بعد. فيما ترجم الغضب والحقد المتبادل بين الحزبين نقاشاً حاداً كانت فيه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة و"معاداة السامية" قضية مركزية، كما لم تكن من قبل خلال مناظرة رئاسية.
كانت التدابير المتخذة للجم تطور الأمور خلال النقاش، تعكس الصورة المتوقعة للسباق الانتخابي، خاصة بعد ما شهدته البلاد بعيد خسارة دونالد ترامب (78 عاماً). حيث تضمنت المناظرة ميكروفونات صامتة للمرشحين خلال وقت التحدث المخصص للخصم، منعاً لحدوث فوضى، تماماً كتلك التي حصلت في السباق الرئاسي عام 2020، والتي اضطر خلالها جو بايدن (81 عاماً) لمواجهة ترامب بعد مقاطعات عدة: "هل تصمت يا رجل؟". كما لم يُسمح لأي من المرشحين بإحضار ملاحظات أو وثائق معدة مسبقاً، بل السماح لهما بالحصول على قلم وورقة فقط.
جاءت تغطية وسائل الاعلام للحدث عبارة عن نقل وقائع نزال سياسي محتدم، وكان الأمر يتطلب من كل مرشح ألا يكون في موضع الدفاع لمدة 90 دقيقة، اذ ان المرشح القادر على شن الهجوم هو من سيكسب الجولة، خاصة وأن المناظرة التالية ستكون في أيلول/ سبتمبر المقبل، وهذا ما سيحدد توجه الرأي العام طيلة الأشهر القادمة.
استحوذت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حيزاً كبيراً من الخلاف. وفي حين أكد بايدن على جهوده المطروحة لوقف إطلاق النار مذكّراً باقتراحه الذي يرتكز على مراحل ثلاث، راح ترامب يُثقل الإدارة الحالية بنقاط الضعف معتبراً أنه لو كان رئيساً لما حصل هجوم 7 أكتوبر.
وبينما لم يذكر بايدن اسم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أقر بمزاعم الأخير بأنه حرم إسرائيل من الأسلحة: "الشيء الوحيد الذي أنكرته على إسرائيل هو قنابل زنة 2000 رطل. إنهم لا يعملون بشكل جيد في المناطق المأهولة بالسكان... نحن نزود إسرائيل بكل الأسلحة التي تحتاجها وعندما تحتاج إليها". وأضاف بايدن أنه "الرجل الذي نظم العالم ضد إيران" عندما شنت هجوماً صاروخياً باليستياً كاملاً على إسرائيل.
وفي إشارة إلى ادعاء بايدن بأن حماس هي الوحيدة التي تريد الحرب، قال ترامب إن إسرائيل تريد الحرب "وعليه أن يتركهم يذهبون ويتركهم ينهون المهمة". وكان من اللافت أن لا أسئلة طرحت حول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو بما يتعلق برؤية "اليوم التالي".
يدعم اليمين الإسرائيلي المتطرف ترامب في حملته الانتخابية. وكان من اللافت إعلان ميريام أديلسون، التي مولت مع زوجها الراحل شيلدون أديلسون، انشاء مستوطنات جديدة وغيرها من المشاريع المتطرفة، أنها ستخصص 100 مليون دولار لانتخاب ترامب رئيساً.
بالنسبة لهم، فإن إدارة ترامب هي الأكثر وديّة تجاه اليمين المتطرف في إسرائيل في التاريخ الأميركي. لقد أعطى اليمين المتطرف كل ما يريده: تجميد المفاوضات مع الفلسطينيين، شيك على بياض لزيادة بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
من ناحية أخرى، كان مستشارو ترامب الرئيسيون هم أنفسهم جزءاً من الجناح اليميني الأميركي الإسرائيلي:
-ديفيد فريدمان، سفير ترامب لدى إسرائيل، لديه علاقات عميقة مع حركة الاستيطان.
-جاريد كوشنر، صهر ترامب. وعلى الرغم من أنه اتخذ نهجاً أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية للعلاقات الإسرائيلية العربية، كان "أعظم انجاز" له -بحسب توصيفه- خلال فترة وجوده في البيت الأبيض هو فصل الحقوق الفلسطينية عن "اتفاقيات ابراهم" الموقعة مع الإمارات والبحرين.
لا يمكن توقع ما كان عليه المشهد لو كان ترامب رئيساً خلال 7 أكتوبر، لكنه بالطبع لن يتخذ نهجاً أقل تطرفاً عما فعله بين عامي 2016 و2020. وعلى الرغم من ان إدارة بايدن لم تكن "عطوفة" على الفلسطينيين بل مولت ودعمت جرائم الإبادة المستمرة بحقهم تحت غطاء سياسي ودبلوماسي دولي، إلا أن وجود نتنياهو على رأس الحكومة ترك أثره على طبيعة العلاقات بين الطرفين. وقد يكون الأميركيون المؤيدون لوقف إطلاق النار في غزة والمتعاطفون مع الفلسطينيين أمام اختيار صعب، ليس لاختيار الأفضل، بل الأقل ضرراً.