جاء في مقال لصحيفة هارتس العبرية أن " إيران سجلّت مؤخراً تقدماً واضحاً في تطوير صناعة السلاح، التي تشمل ضمن أمور أخرى، قذائف وصواريخ دقيقة وصواريخ بالستية وطائرات بدون طيار. تشخص أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قفزة في قدرات إيران، إضافة إلى أجزاء أخرى من المحور الراديكالي الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط، منها حزب الله ونظام الأسد في سوريا،والمليشيات الشيعية في العراق، والمتمردون الحوثيون في اليمن.
وحسب أقوال رجال الاستخبارات، فإن نشر قدرات طهران يسمح برؤية صناعة السلاح الإيرانية للمرة الأولى كصناعة يشارك فيها المحور الراديكالي كله. أحد الوحدات في حرس الثورة الإيراني، الوحدة 340 التابعة لقوة القدس، مسؤولة عن نشاطات البحث والتطوير التي تخدم جميع التنظيمات الإرهابية ومنظمات العصابات التي تعمل برعاية وتمويل إيران. المعرفة التي تراكمت لدى الإيرانيين يتم نقلها بسرعة وبصورة ناجعة إلى فروعهم التي تعمل في أنحاء العالم.
نية طهران هي تمكين هذه التنظيمات، كل في دولتها، من الوصول إلى قدرة إنتاج ذاتية بحيث لا تكون معتمدة على التهريبات الإيرانية. هذه القدرة تكون أقل انكشافاً أمام هجمات إسرائيل ضد قنوات التهريب المختلفة. في الأسبوع الماضي، اتهمت إيران إسرائيل بالمسؤولية عن التفجير الذي حدث في سفينة إيرانية في البحر المتوسط، ويبدو أن الأمر يتعلق بتهريب سلاح تم إحباطه كان في طريقه إلى لبنان.
إسرائيل قلقة بشكل خاص من تسريع “مشروع الدقة” لحزب الله، الذي هدفه تطوير كبير لترسانة القذائف والصواريخ الموجودة بحوزته، بصورة تمكن من إطلاقها بمستوى دقة يبلغ بضعة أمتار عن الهدف. في السنوات الأخيرة، قام “حزب الله” بعدة تجارب لإنشاء مواقع إنتاج وتحويل لسلاح دقيق في لبنان، على خلفية ضربات إسرائيلية للسلاح المهرب. يبدو أن “حزب الله” نجح في تسجيل تقدم في هذا المجال. رسمياً، تتحدث إسرائيل عن عشرات الصواريخ الدقيقة لدى “حزب الله”، لكن وحسب عدة تقديرات، فإن عدد هذه الصواريخ ارتفع مؤخراً ووصل إلى بضع مئات.
يستثمر “حزب الله” جهود تطوير في عدة قنوات – تطوير الدقة، والقدرة التدميرية للصواريخ وقدرتها على تجاوز أجهزة الدفاع الإسرائيلية الفعالة. ويكثر الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، الحديث في خطاباته عن مستوى الدقة لدى منظمته ويعلن بأنه إسرائيل ستتفاجأ من تحسن قدرات “حزب الله” إذا ما اندلعت حرب.
وثمة ساحة قريبة أخرى حدث فيها تقدم، هي قطاع غزة. فقد حسنت حماس، بمساعدة إيران، قدرتها على إنتاج القذائف والطائرات بدون طيار، وهي تجري تجارب لإطلاق النار بوتيرة عالية نحو الغرب إلى البحر المتوسط. خرج نشطاء حماس في السنوات الأخيرة من القطاع للمشاركة في تدريبات على تطوير السلاح، وكان ذلك أيضاً في إيران. في نهاية شباط، تم الإبلاغ عن نشاط لسلاح البحرية الإسرائيلي دُمرت فيه سفينة متقدمة لحماس أمام شواطئ غزة. في الأسبوع الماضي، قتل بعض الصيادين في غزة أثناء إخراجهم من البحر جسماً تفجراً. وحسب مصادر فلسطينية، كان هذا الجسم طائرة بدون طيار إسرائيلية مفخخة، كما يبدو تحطمت أثناء نشاط لسلاح البحرية.
وسجل تطور دراماتيكي في مستوى الوسائل القتالية التي يستخدمها الحوثيون في اليمن، على رأسهم منظمة أنصار الله، التي تعمل من خلال التشاور الوثيق مع حرس الثورة الإيراني. واستؤنفت في الأسابيع الأخيرة هجمات الحوثيين، بتشجيع إيران، ضد مطارات ومنشآت نفط سعودية. ولغاية هذه الهجمات، تم استخدام طائرات بدون طيار وصواريخ أرض – أرض. الحوثيون لا يظهرون في هذه الأثناء أي اهتمام واضح بالاحتكاك مع إسرائيل. فهم ينشغلون في محاربة السعودية. ولكن هناك تقدير بأن إيران ستحاول مستقبلاً نشر طائرات بدون طيار وصواريخ في اليمن يمكنها ضرب الأجزاء الجنوبية في إسرائيل.
تحذير للبنان
رغم القلق من تقدم صناعة السلاح في إيران والمساعدة للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، إلا أن إسرائيل لا تطلب الربط بين هذه المواضيع والمشروع النووي الإيراني. ويتوقع في الفترة القريبة القادمة أن تستأنف الولايات المتحدة المفاوضات مع إيران حول عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي. وجرى نقاش في إسرائيل والغرب حول مسألة ما إذا كان جديراً محاولة فرض تنازلات على الإيرانيين في هذه المسائل الأخرى، في إطار الاتفاق الجديد؟
تنص توجيهات رئيس الحكومة، نتنياهو، للمبعوثين الإسرائيليين في الحوار مع إدارة بايدن على وجوب الفصل بين هذه المسائل، مع توصية إسرائيلية بتركيز النقاش الأولي مع إيران على السلاح النووي فقط. في الوقت نفسه، ستعمل إسرائيل على إقناع الأمريكيين والدول الأوروبية للضغط على نظام طهران في كل ما يتعلق بتطوير السلاح ومساعدة التنظيمات الإرهابية. يعتقد نتنياهو أن ربط هذه المسائل الثلاث معاً بالمفاوضات ستقلل من قدرة مساومة الولايات المتحدة، ولن تمكن من تحصيل تنازلات كافية من طهران بخصوص المشروع النووي. ورغم التصريحات الصقرية لنتنياهو وشخصيات أخرى في أعقاب دخول الرئيس بايدن إلى منصبه في كانون الثاني الماضي، تستوعب إسرائيل بالتدريج أن المفاوضات قد تستأنف وأنه من الأفضل محاولة التأثير عليها على الانشغال بالمقاطعات والمناكفات.
مسألة التسلح الإيراني، خصوصاً المقدمة لـ”حزب الله”، تقف في مركز الزيارة المشتركة لرئيس الدولة رؤوبين ريفلين، ورئيس الأركان افيف كوخافي، في الثلاث دول غربي أوروبا في هذا الأسبوع. خرج ريفلين، الذي يمكن أن ينهي ولايته في تموز القادم، في جولة وداع لنظرائه في ألمانيا والنمسا وفرنسا. وطلب من رئيس الأركان السفر معه لاستعراض التطورات الاستراتيجية في المنطقة أمام مستضيفيه الرؤساء وقادة الجيش في هذه الدول. وطرح في المحادثات أيضاً المشروع النووي الإيراني ومعارضة إسرائيل لفتح تحقيق في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب في المناطق.
وتبنت ألمانيا موقفاً مؤيداً لإسرائيل حول قرار المحكمة. في اللقاء مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي سيعقد الخميس في باريس، سيتم تكريس جزء كبير من النقاش للوضع في لبنان، على خلفية تدخل فرنسا العميق هناك. ويتوقع كوخافي أن ينقل تحذيراً عبر الفرنسيين بأن إسرائيل ستجد صعوبة في التمييز بين قصف أهداف لـحزب الله وبين قصف البنى التحتية الاستراتيجية المدنية في الدولة، في حالة اندلاع حرب أخرى في لبنان.
شخص من البيت
ليست هذه هي المرة الأولى التي يختار فيها الرئيس انضمام شخصيات رفيعة من الجيش الإسرائيلي في محادثاته مع جهات أجنبية. ففي السابق، رافقه في مثل هذه الزيارات قائد سلاح الجو الجنرال عميكام نوركن، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال هرتسي هليفي (الذي سيتم تعيينه قريباً في منصب نائب رئيس الأركان). وبين ريفلين وكوخافي تسود علاقة جيدة ووثيقة منذ سنوات كثيرة.
كل ذلك لا يمنع المذيعين في “صوت الجيش” من إدارة حملة هجومية ضد كوخافي في الأيام الأخيرة. لأنه تجرأ على الانضمام إلى “الرئيس السياسي في تاريخ الدولة”، في رحلته إلى أوروبا. يرتكب رئيس الأركان بذلك خطأ كبيراً، قالوا. ومن الغريب أنه قبل شهر، حين اتخذ كوخافي في خطاب استثنائي له خطاً هجومياً في مسألة المشروع النووي الإيراني، حصل على مباركة مبالغ فيها على شجاعته ورؤيته الاستراتيجية بعيدة المدى.
النغمة التهديدية هذه موجهة أولًا وقبل كل شيء، للرئيس ريفلين، الذي سيقرر بعد الانتخابات من هو الشخص الذي ستلقى عليه مهمة تشكيل الحكومة القادمة.
في بداية الأسبوع، وبصورة استثنائية فاجأت مكتب كوخافي، اتخذ “صوت الجيش” قراراً بعدم إرسال مراسل من قبله في رحلة رئيس الدولة ورئيس الأركان. ويأتي هذا القرار في إطار الصلاحيات الصحافية لقادة صوت الجيش. ولكن في الأيام التي تسبق الانتخابات، ثمة استنتاج بأن جزءاً من بث “صوت الجيش”، كما حال القناة التلفزيونية 20 وراديو صوت إسرائيل والصحيفة المجانية “إسرائيل اليوم”، هي أجزاء رئيسية كاملة في التشكيلة المدبرة التي يثيرها بلفور بهدف ضمان فوز نتنياهو.
المصدر: هآرتس
الكاتب: عاموس هرئيل