كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يعلّق الآمال على أن تعزز دورة الألعاب الأولمبية في باريس إرثه السياسي، لكنّ رهانه الفاشل على إجراء انتخابات تشريعية مبكرة ألقى ظلاله على مكانته في الساحة الدولية.
وهو يستعدّ لاستقبال أكثر من 100 رئيس دولة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المشاركين (سياح وزوار) في حفل الافتتاح اليوم الجمعة، على طول نهر السين، أصابه الوهن السياسي، ويبدو فاقدا للشعبية على رأس حكومة تصريف أعمال مربكة وضعيفة، وفي وقت تستضيف فيه بلاده أكبر حدث رياضي في العالم، وسط مخاوف أمنية كبيرة بسبب الأوضاع الجيوسياسية بداية بالحرب على أوكرانيا وارتدادها على أوروبا وصولاً الى الحرب الدائرة اليوم في منطقة الشرق الأوسط في قطاع غزة.
عند تفقده القرية الأولمبية، دافع ماكرون عن قراره بحل البرلمان، ونفى أن يلقي عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب ذلك القرار بظلاله على الألعاب الأولمبية. لكن الأوساط السياسية الفرنسية خاصة المعارضة تشير بتصريحات بعض ممثليها لعكس ذلك تماماً، بل انها تكشف الضعف في الأداء والتركيز الذي تعاني منه حكومة تصريف الاعمال والتي يبدو انها ستواجه عقبات كثيرة في تنظيم هذه الدورة.
تعيش فرنسا اليوم، صراعاً سياسياً كبيراً ومعقداً بسبب أن جبهة اليسار الفرنسية (الحاصلة على الاغلبية الانتخابية) أعلنت رفضها لمشاركة الوفد الرياضي الاسرائيلي في الالعاب الاولمبية التي ستقام يوم 26 تموز في باريس وعدة مدن اخرى، كما أعلن زعيم الجبهة "ميلونشون" رفضه لمشاركة مسؤولين اسرائيليين في افتتاح الألعاب. يبدو أنّ ماكرون لا يزال مسيطر الآن، وهو إلى حد هذه اللحظة يرفض الاستجابة لطلب المعارضة بفتح الجلسة في الجمعية الوطنية (البرلمان) من أجل السماح للبرلمان الجديد بإدارة المرحلة الجديدة، وتشكيل حكومة ومنحها ثقة البرلمان، وحجته في ذلك أنّ هناك تعقيدات كثيرة وظروف صعبة تحول في الوقت الحالي دون إمكانية تحقيق ذلك. وعليه، يماطل ماكرون ويريد إدارة الألعاب الأولمبية بحكومة تصريف أعمال.
مجرد المشاركة الإسرائيلية في أولمبياد باريس "انتصاراً"
وسط المخاوف الأمنية من تعرض الوفد الإسرائيلي لهجوم (في استرجاع لذكرى الألعاب الأولمبية في ميونخ 1972 التي لا تزال كابوسا يرهق الذاكرة الإسرائيلية الى اليوم)، وتعالي الأصوات الشعبية في فرنسا وبعض الدول الأوروبية، إضافة الى الشخصيات السياسية والتيارات والأحزاب( خاصة اليسارية) الرافضة للمشاركة الإسرائيلية ولحضور مسؤوليها لحفل افتتاح الدورة الأولمبية، وإصرار هذه الأصوات على عدم استقبال الإسرائيليين المتهمين بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة يومية في حق الشعب الفلسطيني، حيث أثار النائب الفرنسي اليساري توماس بورتس القضية عندما قال خلال مظاهرة مناهضة "لإسرائيل" إن" الرياضيين الإسرائيليين غير مرحب بهم في دورة الألعاب الأولمبية في باريس".
ورداً على دعوات إقصاء الوفد الإسرائيلي من الأولمبياد، اعتبرت رئيسة اللجنة الأولمبية الإسرائيلية يائيل أراد مجرد المشاركة في هذه الدورة بوفد يضم 88 رياضياً انتصاراً. ورددت بالقول "انتصارنا الأول هو أننا هنا ونذهب، وأننا لم نستسلم ونتنافس في مئات المسابقات (في إشارة الى الحرب الدائرة الآن والتي أدت إلى احتجاجات في جميع أنحاء العالم منذ 7 أكتوبر".
يبدو أن ماكرون وأعضاء حكومته حريصون على توفير كل الإمكانات لحماية الوفد الإسرائيلي وممثليه والمرافقين له، حيث، عزز المنظمون الفرنسيون الإجراءات الأمنية في باريس بإخضاع الوفد الإسرائيلي لبروتوكولات أمنية صارمة.
يعلم الرياضيون الإسرائيليون انهم غير مرحب بهم في الدورة الأولمبية، وأنهم في كل الأحوال سيتعرضون لمضايقات وتنمّر كبيرين، بدليل بعض التصريحات التي أدلى بها بعض الرياضيين أنفسهم، والذين قالوا بأنهم يعلمون جيدا أن "الإسرائيليين والجالية اليهودية ليسوا محبوبين في جميع أنحاء العالم".
في ذات السياق، تستعد وكالة الأمن الإسرائيلية (الشاباك) لأكبر عملية أمنية من نوعها لحماية الرياضيين الإسرائيليين المشاركين في أولمبياد باريس. وتأتي هذه التعبئة غير المسبوقة وسط تصاعد التهديدات المتعلقة بالحرب في غزة.
حضور الرئيس الإسرائيلي: محاولة للتعبئة السياسية والدبلوماسية لمصلحة الكيان
يتجاوز حضور هارتسوغ الى الأولمبياد مجرد المشاركة الدبلوماسية الرياضية العادية المتعارف عليها في هكذا مناسبات، حيث سيسعى انطلاقاً من برنامج تحركاته بعد زيارة القرية الأولمبية ومبنى الوفد الإسرائيلي، إلى المشاركة في مراسم تذكارية لدورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ لعام 1972، ثم الاجتماع مع أعضاء الجالية اليهودية.
إنّ حضور هارتسوغ لحفل الافتتاح في ظل تعالي الأصوات الرافضة لهذه المشاركة الإسرائيلية والداعية لمقاطعة الكيان هو:
- تحدي كبير لرأي عام أوروبي ودولي أصبح يرى أن هذا الكيان هو كيان مدان ومجرم ومتهم دولياً بارتكابه جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب تستوجب المحاسبة والعقاب، والأهم من ذلك رفض سرديته المزيفة ودعايته المضللة التي لم يعد يتقبلها الرأي العام الدولي، على الرغم من صمت حكومات هذه الدول.
- محاولة طمأنة الجالية اليهودية في فرنسا التي بدأت تشعر بالخوف وانعدام الأمان بسبب ارتفاع منسوب الكراهية (حسب رواياتهم) لليهود، وشعور هؤلاء بالعزلة وعدم القدرة على التعايش مع اغلبية لم تعد ترغب في التعامل معهم باي شكل من الاشكال.
سيحاول هارتسوغ والوفد الرياضي لعب دور في الهامش المتاح لهم، لإعادة التسويق للسردية الإسرائيلية، واستعطاف الرأي العام الدولي، وتضليل الصورة والمشهدية التي لا يمكن إخفاءها اليوم حول الجرائم والانتهاكات الحاصلة والمستمرة في حق المدنيين العزل في غزة.
قد لا يصمد الرياضيون الإسرائيليون، وقد لا يحققون نتائج رياضية هامة، لكنهم بالتأكيد لن يضيعوا فرصة المشاركة ولو خسروا ولم يحققوا ميداليات، ولا جوائز. ويذهب البعض إلى التأكيد مرة أخرى أنّ ما يرتكبه الكيان الإسرائيلي وآلته العسكرية من جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني لن تمحيه مشاركة فريقه الرياضي في الدورة الأولمبية، فالرأي العام الدولي الغاضب بسبب مشاهد الانتهاكات اليومية، لن يستسلم ولن يتوقف عن المطالبة بمحاسبة القتلة.