كان لطوفان الأقصى تداعيات كبيرة على مستويات عدّة، وأبرزها ملف التطبيع السعودي الذي كان قد جرى الاقتراب من توقيعه، ثم جاءت عملية المقاومة الفلسطينية لتحدث تغييرات على المستوى العسكري والسياسي والثقافي. تطرح الدراسة المرفقة أسفل الملخّص أدناه تأثير طوفان الأقصى على عملية التطبيع، وتتناول مراحله ومخاطره، وتستعين بآراء عدد من المحللين.
توقيت الاتفاق وقلق بايدن
رغم التحوّلات الكبيرة التي ستسفر عنها عملية طوفان الأقصى، إلا أنها لن توقف مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، فقد صار التطبيع المخرج الدبلوماسي الأمثل للولايات المتحدة لإنهاء الحرب، وأيضاً شكّل العدوان الإسرائيلي على غزة فرصةً ثمينةً للسعودية حتى تتمكّن من إتمام الصفقة، لكن المعضلة تكمن في قبول حكومة الاحتلال بالتطبيع في الوقت الحالي، فرغم أنه يمثّل مخرجاً أميركياً من الحرب إلا أن "إسرائيل" لا تزال عالقةً في رمال غزة بحثًا عن انتصار عسكري. مع العلم أنه بالمبدأ، ليس لدى الاحتلال مشكلة في الذهاب إلى التطبيع لكن المعضلة الحالية تكمن في التوقيت.
والواقع أن بايدن يريد إنجاز ملف التطبيع مع السعودية قبل انقضاء مدة ولايته، وهو ما سيعدُّ إنجازاً لإدارته ويرفع من حظوظ انتخابه رئيساً مرة جديدة. في المقابل، طالبت السعودية بتوقيع اتفاقية أمنيّة جديدة مع الولايات المتّحدة بعد انتهاء مدة اتفاقيّة البترودولار التي وقعت عام 1974 بين الرياض وواشنطن، والسماح بإنشاء برنامج نووي، بالإضافة إلى رفع الحظر عن بيع السلاح للرياض.
مسار التطبيع
تركزت آراء المحللين المشاركين في استطلاع الرأي حول مدى تأثير عملية طوفان الأقصى على التطبيع، وبحسب المشاركين كان للعملية تأثيراً مؤقت وسيعاد استكمال المسار في وقت لاحق، فيما رأى آخرون أن الأثر أعمق من ذلك، ومن الممكن أن يعرقل التطبيع.
الباحث حسن سويدان:
أعتقد أن تأثير عملية طوفان الأقصى على التطبيع السعودي الإسرائيلي كبيرة. من جهة، سرّعت الحرب من وتيرة الحراك الأميركي لتنفيذ صفقة التطبيع. ومن جهة ثانية كانت الحرب فرصةً للرياض لتجرّب ردة فعل الرأي العام السعودي تجاه التطبيع. في المقابل، تأثير الحرب الاستراتيجي على الكيان يُفشل هدف التطبيع الرئيسي، دمج "إسرائيل" في المنطقة. أعتقد أن تأثير الحرب على التطبيع سيكون بحجم الإجرام الإسرائيلي في غزة والذي دمّر صورة الكيان بعد أن سعت واشنطن لسنوات لتصويره على أنه "الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".
الموضوع يعتمد على جاهزية نتنياهو للقبول بالشرط السعودي للذهاب نحو التطبيع. تطالب السعودية بموافقة على بدء مسار حل الدولتين، والذي قد يستمر سنوات طوال. إلا أن اليمين الإسرائيلي متمثّلًا بنتنياهو من المستبعد أن يقبل بالموضوع حتى وإن كان الثمن هو التطبيع مع السعودية. من المهم الإشارة هنا إلى أن مسار حل الدولتين الذي تطالب به الرياض وواشنطن هو مسار طويل من المناقشات تعمل خلال هذا الوقت واشنطن وحلفاءها بالأدوات الناعمة على البيئة الفلسطينية لقتل القضية الفلسطينية.
حظوظ التطبيع تعتمد على متغيّرات الميدان والحرب والموقف الإسرائيلي. حتى اللحظة، يبدو أن نتنياهو سيُفشل التطبيع بإصراره على الاستمرار بحرب هو خسرها منذ فترة. كما أنه من غير المرجّح اليوم أن تقبل الحكومة الإسرائيلية بأي شرط يتعلّق بحل الدولتين. وهو ما يعني أن التطبيع صعب حاليًا، رغم الرغبة والجاهزية السعودية له. وبالتالي، بينما الرياض جاهزة للتطبيع، قامت المقاومة الفلسطينية بالتأثير على الإسرائيليين لرفض شروطه.
الباحث علي مراد:
من الواضح أن عملية طوفان الأقصى وما تلاها أثرت على عملية التطبيع السعودي مع الكيان من حيث:
- بروز تناقض واضح بين الرؤية الإسرائيلية والرؤية الأميركية، حيث تنطلق الأولى من أنه لا هدف أسمى من الاستمرار بالحرب والانتقام من الفلسطينيين، في حين ترى الرؤية الأميركية أن المشروع السياسي لما بعد الحرب القائم على التطبيع هو الأولوية.
- تصعيب الأمر على السعودية التي لن يكون من السهل عليها أن تذهب إلى التطبيع خلال الحرب أو حتى بعد انتهائها بوقت قليل على جثث أكثر من ٤٠ ألف شهيد فلسطيني، ما سيخسرها من شرعيتها عربياً وإسلامياً.
- حالة التضامن مع الفلسطينيين وحالة العزلة التي يعاني منها الكيان على الساحة العالمية تعد بيئة غير مناسبة لإقدام الرياض على التطبيع الآن.
- بالنظر الى ما يبثه اعلام النظام السعودي وصحافته، من الواضح ان الرياض لا تزال تحاول احتواء الآثار الناتجة عن طوفان الاقصى لكي تبقي على الحد الأدنى من المساحة المطلوبة لإعلان التطبيع، في حال وافق نتنياهو لاحقاً على عرض التطبيع معها. من الواضح أن السعودية تتصرف على اساس ان التأثير يجب ان يكون مؤقتاً، لأن مصالحها تفرض ان تكون النتائج مؤقتة، وهذا ما يفسّر الإمعان في تشويه صورة المقاومة والتبخيس بإنجازاتها.
- بالنسبة للسعودية وأميركا هما متفقتان على بذل كل ما هو متاح للالتفاف على آثار طوفان الأقصى، وتذليل كل ما من شأنه أن يؤجل عملية التطبيع، في حال حصلت موافقة نتنياهو على المقاربة الأميركية. باختصار، بالنسبة للسعودية مصالحها الخاصة هي الحاكمة، ولذلك لن تكون اثار الطوفان هي المقرر من الناحية السعودية على مسار التطبيع، بقدر ما هو الموقف الإسرائيلي المعارض للسير في التطبيع الآن، على حساب استكمال الحرب.
خاتمة
على الرغم من أن عملية طوفان الأقصى قد لا توقف مسار التطبيع السعودي إلا أنها لا شك عزّزت من شروطه لصالح فلسطين، والأهم من ذلك أنها حدّت من تأثير التطبيع السعودي وإن جرى تنفيذه، أي أن التطبيع صار فارغاً من مضمونه، فلا يمكن التعايش مع الكيان الإسرائيلي باعتباره جزءاً طبيعياً من المنطقة كما كان هدف التطبيع المنشود، وفي المقابل تصدّرت فلسطين إلى واجهة الاهتمام العالمي بعدما كانت مغيبّة لعقود من الزمن.