أحدثت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر تغيراً كبيراً في المسارات الأمريكية القائمة في المنطقة، فإن ما يجري اليوم من تلاحم جبهات محور المقاومة المختلفة، وعمليات الإسناد التي تجريها دعماً للمقاومة في غزة، نقلت المعركة لتصبح على مستوى الإقليم وبالتالي أصبح التهديد يطال مباشرةً المصالح الأمريكية في المنطقة.
مؤشرات المسار التحرري الجديد
ترتسم اليوم علامات التحرر من النفوذ الأمريكي من المنطقة، وهو الهدف الذي تسعى لتحقيقه حركات التحرر والمقاومة منذ نشأتها، ويحتاج هذا النفوذ كونه متجذراً وعميقاً في دول غرب آسيا، إلى تفكيك والعمل على مختلف المستويات للانتهاء منه، وهذا ما رسم مساراً أخذ منحى التحرر في مختلف المناطق. كما أن عملية طوفان الأقصى نقلت مستوى العمل التحرري هذا الى مستوى متقدم بفعل التأثير الكبير الذي أحدثته على مرتكزات النفوذ الأمريكي.
عملية طوفان الأقصى وما تلاها أعاد إلى الواجهة الصراع مع الكيان المؤقت، وضرب كل ما عملت الإدارة الأمريكية على ترسيخه في أذهان الشعوب، وهذا ما أظهره التأييد الشعبي الكبير في مختلف الدول العربية والإسلامية للمقاومة الفلسطينية والرفض الكبير لجرائم الاحتلال. وهذا ما أوقف مسار التطبيع الذي كانت تعبّده الإدارة الأمريكية بين السعودية والكيان المؤقت، ووضع الأولى في موقف صعب غير قادرةً على استكمال ما كان يُرسم، بالإضافة إلى أن الحملات الشعبية والإعلامية المؤيدة للمقاومة أضعفت المقبولية الأمريكية عند هذه الشعوب، التي توحدت أطيافها السنية والشيعية متجاوزة المسائل المعززة للفتن.
طوفان الأقصى والمجازر الإسرائيلية التي ترتكب خلالها، أظهرت مدى النفاق الغربي وما ساعد في إظهار هذا النفاق هو التغطية الكبيرة لمجازر الاحتلال المدعومة أمريكياً على مواقع التواصل الاجتماعي، وإزاءها أمست معظم دول الغرب وأوروبا تشهد احتجاجات ومظاهرات مليونية يشترك فيها المسلم والغربي في رفص وإدانة الأعمال الإسرائيلية والأمريكية، وما شكّل من ضغوط على اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تواجه صعوبة في الضغط على الإدارة الأمريكية لتلبية حاجاتها كالدعم العسكري والسياسي الكبيرين.
عوامل كابحة ومعوقات للمسار
يشير الإمام الخامنئي إلى أن استمرار طوفان الأقصى سيمحو المشروع الأمريكي من المنطقة، وفي هذا دلالة على أن المواجهة لم تنته وأن الأمريكي لن يرضخ سريعاً، فخطوات المقاومة والمحور، ستقابله خطوات مضادة تكبح تقدم مشاريع المقاومة على حساب المشاريع الأمريكية.
ومن المعوقات والكوابح التي يعتمد عليها الأمريكي لإيقاف طوفان الأقصى، هي:
أولاً: مصالح الدول العربية والإسلامية التي بمعظمها ترتبط اقتصادياً وسياسياً بالمصالح الأمريكية، وهو ارتباط عمل الأمريكي على توثيقه لجعل هذه الدول مرتهنة له، لذا فإن مصالح هذه الدول تتعارض مع مشروع المقاومة كونه بأصله يرفض الارتهان لأي قوة خارجية. بالإضافة إلى ذلك امتداد القواعد العسكرية الأمريكية في هذه الدول يعد أمراً حساساً وخطراً ويشكل أيضاً عائقاً أمام اجتثاث المشاريع الأمريكية.
ثانياً: الحرب الناعمة والنفوذ الاقتصادي الأميركي فرغم فشل العديد من الاستراتيجيات الموجهة نحو شعوب ودول المنطقة، إلا أن الاستراتيجيات الناعمة الأمريكية تبقى قائمة ومسارها طويل وتشكل أيضاً عائقاً أمام تمدد طوفان الأقصى. كما يعد النفوذ الأمريكي الاقتصادي كما السياسي كبيراً في دول المنطقة، إذ إن هذا النفوذ قادر على التأثير في سياسات تلك الدول، خاصةً الحالمة في أن يصبح لها مركز متقدم وتريد معالجة مشاكلها الاقتصادية.
إذا ما أردنا المقارنة بين ما كان عليه النفوذ الأمريكي وما بات عليه اليوم وما كانت عليه حركات المقاومة والتحرر وأمست عليه، فإن النفوذ الأمريكي في تراجع تدريجي والمقاومة في صعود، وبالتالي وعلى المدى البعيد فإن اجتثاث الحضور الأمريكي من المنطقة أمر حتمي، وما هي إلا مسألة وقت.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا