الإثنين 07 تشرين أول , 2024 03:32

عام على الطوفان: اخفاق يفكك عقيدة "الجيش الذي لا يقهر"

قد لا يحتاج الحديث عن الفشل الاسرائيلي في حربي غزة ولبنان للكثير من الأدلة والاثباتات على غرار كل ما يوضع على طاولة النقاش بما يتعلق بالممارسات السياسية لعدد من الأمور الداخلية  الأخرى، والتي تحتمل عدداً من وجهات النظر. وحتى لو أراد "المتابع الموضوعي" تقييم الوضع الاسرائيلي بعد عام على "طوفان الأقصى" الحافل بالأحداث المفصلية، لا يستطيع  انكار  الواقع الذي يعترف به قادة الاحتلال أنفسهم بأن إسرائيل لم تحقق أهدافها بالتزامن مع الخسائر الاستراتيجية التي لحقت بردعها وسمعتها وأخرى اقتصادية وسياسية تقدر كلفتها بمليارات الشواكل.

تعرض كيان الاحتلال إلى ضربة قوية جعتله بعد التفاخر بحجم قوته، يعيد حساباته مرة أخرى، ليس بما يتعلق بأمور بسيطة تصلح  بالمعالجة، بل بما  يتعلق "بوجوده". وبعد الغرق في مستنقع غزة لعدة  أشهر، يتورط حالياً بالغوص برمال لبنان المتحركة، التي تبتلع جنوده ودباباته على الحافة الشمالية، بفعل خطط أعدتها المقاومة ليوم كهذا، يكون فيه الجنون الاسرائيلي في أعلى مستوياته ويجره  إلى متاهة الخيارات الخاطئة.

تعد  هذه الحرب، التي يخوضها كيان الاحتلال ضد  جبهات عدة، أطول حرب منذ قيامه عام 1948، وقد حشد لها حوالي 360 ألف جندي احتياطي، في أكبر تعبئة منذ حرب أكتوبر عام 1973. وعلى حجم التهديد والخطر الذي شعر به، جاءت الاستعدد والاستنفار على مختلف الصعد، ليس فقط إسرائيلياً، بل بمساندة أميركية اوروبية غربية وعربية ايضاً. وعلى رغم التمويل الهائل وتكنولوجيا المعلومات وأحدث أنواع الأسلحة لم ينجح جيش الاحتلال بالعثور  على قادة المقاومة الفلسطينية مع أسراه في قطاع محاصر منذ عقود، وهذا ثاني الاخفاقات بعد نجاح عملية "طوفان الأقصى". ويمكن تلخيص اخفاقات جيش  الاحتلال، ربطاً بفشل جهود قياداته العسكرية والسياسية والأمنية، بعدد من النقاط:

لم ينجح جيش  الاحتلال بالعثور على أسراه  لدى المقاومة أو على قادتها، رغم استخدامه مختلف أنواع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وبمساعدة أميركية بريطانية والتي تعد الأكثر  تطوراً بهذا المجال ، ا          ضافة لحجم الدمار الهائل الذي طال أكثر  من 60% من القطاع، وأودى بحياة  أكثر من 40 ألف شهيد فلسطيني ومئات الاف الجرحى، ويزعم  تدمير أكثر من نصف  الانفاق، لكنه لم يستطع تحقيق الهدف الاول للحرب وهو اعادة الأسرى إلى الكيان.

القضاء  على المقاومة: وهذا الأمر ينسحب على غزة ثم على لبنان  بعد اعلانه هدف اعادة المستوطنين إلى الشمال إلى أهداف الحرب. بعد  عام على طوفان الأقصى، لا تزال صواريخ المقاومة الفلسطينية تصل  إلى مستوطنات غلاف غزة. في حين تعجز الضربات الجوية من  تدمير المنظومة الصاروخية لحزب الله، رغم مشاركة الطائرات الحربية والبوارج في الضربات. حيث يعترف كيان الاحتلال  بأن الصواريخ لا تزال تنطلق  من المناطق  التي  تعرضت إلى مزيد عن 650 غارة على القرى الجنوبية الحدودية مع  فلسطين  المحتلة.

الفشل الأمني والاستخباري الكبير والذي أدى إلى استقالة عدد كبير من القيادات العسكرية والأمنية والسياسية، وجعل رئيس  الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يهرب إلى الأمام  في مسارات التصعيد خوفاً من  المحاكمة هو الآخر. وهذا لا يتعلق  فقط بالكارثة التي حلت بالكيان في 7 أكتوبر،  بل ما تبعها أيضاً، حتى اليوم. ويمكن أن نأخذ الهجوم الايراني كمثال أخير،  بعد أن نجحت الجمهورية الاسلامية بتطبيق الغموض الاستراتيجي. وعلى الرغم من  اغتياله لعدد من قيادات المقاومة في  لبنان وفلسطين وايران أيضاً، إلا ان ذلك النجاح التكتيكي لم يحل أي  من معضلات الاحتلال التي تتراكم يوماً بعد يوم.

الفشل في الاجتياح البري،  وهذا ينطبق على  قطاع غزة، بعد أن استنفزت القوات في القطاع، واعترفت القيادات العسكرية باستحالة البقاء طويلاً او التفكير في احتلاله بشكل دائم. بالنسبة للجبهة مع  لبنان، لم يخاطر المستوى السياسي منذ البداية، بوضع أهداف بسقف مرتفع، كاحتلال لبنان او حتى القرى الجنوبية، بل اكتفى بالحديث عن بضع كيلومترات لاعادة المستوطنين إلى الشمال.

من ناحية أخرى، يمكن  القول أن من أهم نتائج معركة "طوفان الأقصى" أنها ساهمت في تقويض الكثير من المبادئ الأساسية التي قام عليها كيان الاحتلال، والتي عُدّت في فترات سابقة مبادئ مستدامة وغير قابلة للتغيير، إلى جانب كشف هشاشة بنيان هذا الكيان، الذي اعتمد  في ترسيخها على الدعاية الاعلامية من جهة، والمساعدة الاميركية الغربية من جهة أخرى.

تعرّض جيش الاحتلال لنكسات كبيرة وغير مسبوقة منذ انطلاق "طوفان الأقصى"، لا سيما بعد أن توسّعت المعركة جغرافياً إلى ساحات أخرى في المنطقة، بما في ذلك لبنان وايران واليمن والعراق، وازدادت تداعياتها لتصل إلى داعميه في المنطقة والعالم، وقد انسحبت هذه النكسات على مختلف المجالات الأخرى، حتى انكشف ضعف آخر يتعلق بفشلهم تجنيد الحريديم والانقسام العميق نتيجة ذلك.

كشف طوفان الاقصى، وقوة وقدرة المقاومة في المنطقة خاصة في لبنان، عن نقاط ضعف كيان الاحتلال. كما أكد مرة أخرى على أن إسرائيل "اوهن من بيت العنكبوت" كما قال سيد المقاومة والأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصرالله.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور