كانت زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى الولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في الجمعية للعامة للأمم المتحدة بدورتها الـ 78، حافلة بالمواقف القوية والذكية، التي وصفها بعض النواب والمحللين بالرسالةٌ العميقة والذكاء السياسي والدبلوماسية المنتجة، سواءً في السياسات الخارجية أم الداخلية لبلاده.
ما بين السوداني والكاظمي: فرقٌ كبير
فمن على منبر الأمم المتحدة، جدد الرئيس محمد شياع السوداني موقف بلاده الرسمي والشعبي الواضح والثابت -بشكل أقوى وأكثر دعم للقضية الفلسطينية من سلفه - من الحق الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. بينما كانت عبارة رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ 77: " نؤكد موقف العراق الثابت تجاه القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه المشـروعة، واحترام الوضع التاريخي لمدينة القدس ومقدساته".
وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الحرب على سوريا، حيث شدّد السوداني على أن العراق يدعم وحدة سوريا أرضا وشعبا، داعياً إلى رفع المعاناة عن الشعب السوري وتمكينه في بسط سلطته على كامل الأراضي السورية (وهو إشارة مبطنة الى الحصار والاحتلال التي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا منذ سنوات). بينما جاء موقف سلفه الكاظمي العام السابق حول هذا الموضوع، متماهياً بشكل كبير مع موقف الإدارة الأمريكية حيث قال: " وفي الوقت الذي نؤكد فيه على حرصنا على وحدة الأراضي السورية وسلامتها، ندعم إجراء المحادثات السياسية بين الأطراف السورية كافة، ودعم جهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وهذا إن دلً على شيء، فهو على مدى قدرة الرئيس محمد شياع السوداني على تحقيق الاستقلالية عن الضغوط والإملاءات الأمريكية، والتعبير بشكل واضح ودقيق عن قناعات وآراء أغلبية الشعب العراقي.
وهذا ما عبّر عنه بوضوح عندما أضاف بأن سياسة بلاده الخارجية تعمل على أن يكون العراق جزءا من الحل في أي مشكلة دولية، مع تأكيد التزام بلده بمبادئ القانون الدولي ورفضه التدخل في شؤونه الداخلية تحت أي ذريعة.
وفي سياق متصل، كان للرئيس محمد شياع السوداني موقفه الداعم والمدافع عن المقدسات الإسلامية، حينما وصف إحراق نسخ من القرآن الكريم بأنها جريمة كراهية تستهدف الاعتداء على ربع سكان العالم، وأنها مما لا يمكن سوقها على أنها من حرية التعبير (وهو التصنيف التي تدعم الإدارة الأمريكية تنفيذ هذه الاعتداءات والجرائم ضد الإسلام والمسلمين في إطاره).
اتفاق إطار استراتيجي جديد مع أمريكا
في جانب آخر، أدلى الرئيس محمد شياع السوداني بمواقف مهمة - في مقابلة أجرتها معه محطة "سي.إن.إن - CNN" الأميركية- يمكن وصفها بأنه تأتي في سياق المرونة البطولية، حول علاقة بلاده بأمريكا، حينما أكّد على أهمية تطوير العلاقات بشتى المجالات، وألا تقتصر على الجانب الأمني فقط، مؤكداً أن زيارته للبيت الأبيض لتلبية دعوة الرئيس الأميركي ستجرى خلال العام الحالي، ومبيناً بأن أحد أهم المواضيع التي يجب مناقشتها في الزيارة هو اتفاقية الإطار الاستراتيجي، بحيث تشمل أيضاً ملفات ومجالات أخرى، في مختلف القطاعات الاقتصادية، والخدمية، والعمرانية في العراق (لا يخفى على أحد وجود ضغوط أمريكية اقتصادية كبيرة على حكومة بغداد منذ تشكلها برئاسة السوداني).
وأعاد رئيس الوزراء العراقي التأكيد بأن بلده لا يحتاج إلى قوات قتالية، سواء كانت من الولايات المتحدة الأميركية أو من باقي دول التحالف الدولي، لأن القوات الأمنية العراقية (في إشارة الى الجيش والشرطة والحشد الشعبي) وصلت إلى مرحلة متقدمة من الجاهزية والإمكانية والمقدرة، على المحافظة على استقرار الأمن، وتعقب خلايا تنظيم داعش (الوهابي الإهابي)، والتي تُمثل مجاميع تُطارد في الصحاري، والجبال، والكهوف، وليس لها أي مكان، ولا تهدد كيان الدولة.
الكاتب: غرفة التحرير