يتطلع كيان الاحتلال إلى ليبيا كحاجة ملحة تتعدى حدود رغبته المتزايدة بتوقيع اتفاقيات التطبيع التي تعمل عليها بجد مع عدد من الدول كالسعودية بعدما عقدتها بالفعل مع الامارات والبحرين عام 2020. اذ ان إسرائيل التي تدرك ان مصالحها في طرابلس بعيدة المنال بفعل الرفض الشعبي الذي يعد اليوم في أوجه، ما زالت تحاول احداث ثقباً في الجدار، وهذا سعت إليه باللقاء الأخير الذي جمع وزيري خارجية الطرفين.
"حجم ليبيا وموقعها الاستراتيجي يعطيان العلاقات معها أهمية كبيرة وإمكانات هائلة"، هكذا لخص وزير خارجية الاحتلال ايلي كوهين هدفه من اللقاء، الذي كان من المتفق ان يبقى سريّاً. إذ أن ما تهدف إليه إسرائيل يتمحور حول أهداف استراتيجية بعضها بطبيعة أمنية.
يحاول الكيان تطوير علاقته بطرابلس من أجل نقض اتفاق ترسيم الحدود المائية الذي وقعته حكومة فايز السراج مع تركيا عام 2019. والذي يقضي بمنح أنقرة مساحة مائية كانت إسرائيل تراهن عليها لمد أنابيب ضخمة تنقل الغاز الفلسطيني إلى الأسواق الأوروبية.
وكان النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، عيران ليرمان، قد أوصى بدراسة أعدها سابقاً، بضرورة "توظيف إسرائيل لعلاقاتها مع الأفرقاء الليبيين من أجل الدفع نحو التخلص من اتفاق تقسيم المياه الاقتصادية بين طرابلس وأنقرة، لأن هذا الاتفاق يجعل تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا تحت رحمة الأخيرة". كما يتابع ليرمان بأن هذه العلاقات ضرورية لشد ليبيا إلى إسرائيل وقطع الطريق أمام إيران بالاستفادة من أي موقع قدم هناك، بما سينتج تهديداً لمصالح تل أبيب.
وتقول مجلة بلومبرغ في تقرير لها، إلى ان أحدث محاولة إسرائيلية لإقامة تحالفات جديدة في العالم العربي اصطدمت بحجر عثرة في ليبيا، مما أثار انتقادات واسعة في الداخل وأجبر الحكومة على تعليق عمل كبير الدبلوماسيين. وتشير إلى ان "نظام القذافي دعم الجماعات الفلسطينية المسلحة في سبعينيات القرن العشرين وانتقد بشدة القادة الذين قاموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، تغيرت لهجته في العقد الأخير عندما اقترح حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال الجمع بينهما في دولة واحدة أطلق عليها اسم "إسراطين". وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن ابنه ووريثه، سيف الإسلام، كانا على اتصال سري بمسؤولين إسرائيليين في السنوات الأخيرة من حكمه". وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فقد طلبت إسرائيل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العمل على وقف تهريب السلاح الليبي إلى قطاع غزة.
في حين، كشف السخط الشعبي المستمر على خلفية اللقاء الحاصل والذي اضطر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات احترازية لتخفيف الاحتقان، ان كيان الاحتلال لن يستطيع في الوقت الراهن مراكمة أوراق القوة في الداخل دون مساعدة دولية وإقليمية، نتيجة محدودية الخيارات التي تقلل من قدرة تل أبيب على التأثير إستراتيجيًا في الساحة الليبية. فإسرائيل تعتمد بشكل أساسي على النفوذ الأميركي والأوروبي، وبشكل خاص الإيطالي، بالإضافة إلى ثقل أطراف عربية، مثل مصر والإمارات.
أوائل عام 2022، ذكرت وسائل الإعلام السعودية والإسرائيلية أن رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، التقى بمدير جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، ديفيد برنياع، في العاصمة الأردنية عمان، من أجل مناقشة إمكانية التطبيع بين الدولتين. وبطبيعة الحال، نفى مكتب رئيس الوزراء الليبي حدوث ذلك على الإطلاق.
جاء ذلك بعد تقرير صدر في نوفمبر 2021 عن هآرتس، والذي كشف أن صدام حفتر، وصل إلى مطار بن غوريون في تل أبيب لعقد اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين غير محددين فيما يتعلق بالتطبيع المحتمل. وبالتالي، فإنه على الرغم من كثرة التسريبات التي تكشف عن لقاءات متتالية بين مسؤولين ليبيين وآخرين إسرائيليين، إلا ان الإصرار على إبقاء تلك اللقاءات سرية، انما هي -بجانب من جوانبها- نتيجة ما حصل بعيد الكشف عن اللقاء الأخير. فالرأي العام الليبي بكل أطيافه غير مهيّأ بعد لحدث كهذا، ولا يعد بيئة خصبة لإقدام حكومته على توقيع اتفاقية التطبيع، وهذا ما يجعل سيناريو الفوضى في حال الدفع نحوه، أمراً محتملاً لدى الحكومة الليبية.
الكاتب: غرفة التحرير