راجلاً ومن مسافة صفر، نفّذ الفدائي في حوارة عمليته التي استغرقت قوات الاحتلال أكثر من 25 دقيقة لاكتشافها ثم الحضور إلى مكان التنفيذ. وعلى الرغم من ان الضفة الغربية قد اعتادت على تنفيذ العمليات الفدائية والتي وصل عددها إلى 190 منها 150 هجوماً بإطلاق النار منذ بداية العام الجاري، إلا ان لحوّارة خصوصيتها الأمنية والجغرافية التي جعلت الاحتلال يقف أمام سيناريو صعب للغاية يؤثر مباشرة على الوضع الاستيطاني في الضفة المحتلة ككل.
تراكم المنظومة الأمنية الإسرائيلية الخسائر منذ أيار/ مايو عام 2021، موعد انطلاق عملية "كاسر الأمواج"، التي حاولت من خلالها إيقاف العمليات في جنين ونابلس وطولكرم... وقد كشفت عملية حوارة، ان هذا الفشل مركّب، اتى على مستويات عدّة:
-العجز الإسرائيلي في تأمين الحماية الوقائية للمستوطنين. وقد ترجم عبر الفشل في التنبؤ بحدوث العملية، على الرغم من ان المنطقة تشهد وضعاً أمنياً ومراقبة استخباراتية مستمرة.
-فشله في إيقاف العملية التي نفّذت في وضح النهار وبمكان يرتاده المستوطنون عادة.
-عدم قدرته على التعامل مع أثار هذه العملية، وهو مؤشر على ضعف في الاستجابة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. فما كان من المسؤولين والشخصيات البارزة في الكيان إلا رفع الصوت بضرورة توخي المستوطنين الحذر عند المرور بشارع حوارة وعدم التوقف اطلاقاً في هذا الشارع.
وتقول صحيفة معاريف العبرية في هذا الصدد: "لا يوجد سبب في العالم يستحق المخاطرة بالإصابة أو الموت لمجرد توفير بضع عشرات من الشواقل على غسيل السيارات أو الإصلاح أو شراء قطع الغيار أو أي عملية تجارية أخرى. حتى الحد الأقصى لنشر القوات على الأرض أو الاستخبارات عالية الجودة لن تكون قادرة على منع الهجوم من خلال استغلال فرصة ضد شخص جاء إلى المكان الخطأ في الوقت الخطأ".
مقابل الفشل الإسرائيلي، تأخذ العمليات الفدائية منحى تصاعدياً. كما باتت عمليات الأسود المنفردة أكثر فعالية وكفاءة في إتمام العملية وايقاع القتلى وتكبيد الخسائر، وعلى بقعة جغرافية أوسع بات الاحتلال ينظر إليها على أنها مصدر تهديد لا يستهان به. اذ ان تحقيق هدف المقاومة الفلسطينية في الضفة والمناطق المحتلة، بمنع المستوطنين من التجول بأمان في الشوارع هو بعينه مصدر قلق للمنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
لا تعتبر حوّارة منطقة مشتعلة، كجنين ونابلس، لكنها تعد منطقة معقدة أمنياً ومرصودة استخبارياً بشكل كبير. وبالتالي، فإن انتقال المقاومة الفلسطينية إلى هذه المناطق الحساسة، سيطرح جدلية صعبة أمام قادة الاحتلال ومسؤوليه عن المشهد في المرحلة المقبلة وكيف ستكون الحالة الاستيطانية لو تم تعميم هذه التجربة من شارع حوارة إلى شوارع أخرى.
تأتي هذه العملية في سياقها الطبيعي بالرد على جرائم نابلس واغتيالات جنين والمسجد الأقصى، واعتداءات المستوطنين في رام الله. وتأكيداً فلسطينياً ان الجريمة سيقابلها رد فعل فلسطيني مقاوِم، في حين بدأ يتميز هذا الرد بالسرعة والفعالية إضافة لقدرة المنفّذ على الانسحاب بسلام.
أمام هذا الواقع، وعلى ضوء الحلول التي بات يعتبرها المستوطنون "ترقيعية" والتي عجزت عن إيقاف العمليات الفدائية، ذهب البعض للمطالبة بما هو أبعد من عمليات موضعية. وتعتبر صحيفة إسرائيل هيوم العبرية، أنه "قد حان الوقت لرعاية السبب الجذري لما يتكشف في شمال السامرة. ليس مجرد عملية جراحية لمدة يوم أو يومين، أو ضربة جراحية في مكان ما". مطالبة بـ "عمل حقيقي من شأنه أن يعيد الردع للسنوات ال 20 المقبلة. نحن بحاجة إلى مطرقة ثقيلة من شأنها أن توضح من هو المسؤول. نحن بحاجة إلى حواجز على الطرق لمنع الإرهابيين من القيام بعمليات القتل. طالما أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع ومجلس الوزراء الدبلوماسي الأمني لم يشنوا عملية واسعة النطاق، فنحن محكوم علينا بالمزيد من القتلى".
الكاتب: غرفة التحرير