عاد كيان الاحتلال إلى مربع القلق الأول. لا مبرر فعلي للعودة إلى التلويح بتنفيذ سياسة الاغتيالات ضد قادة المقاومة الفلسطينية، سوى ان ما يجري في الضفة الغربية أكبر من أن تتحمّل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تبعاته ونتائجه. اذ ان العمليات الفدائية الآخذة في الازدياد كلما اتسعت الرقعة الاستيطانية وارتفعت معها الاعتداءات التي تهدف إلى تهويد الأراضي المحتلة، باتت تشكل ثقلاً مزدوجاً على المستويين السياسي الأمني والشارع الإسرائيلي.
في توجه واضح للتصعيد، قرر المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن الاسرائيلي في اجتماعه، استهداف منفذي عمليات المقاومة في الضفة الغربية. حيث ألمح ديوان رئاسة وزراء الاحتلال في بيانه ان "الرد على عمليات المقاومة لن يقتصر على حدود الضفة، بل سيطول أطرافاً في الخارج -هي حسب زعمه- أنها مسؤولة عن التحريض على تنفيذ هذه العمليات وتوجيهها".
يأتي هذا التلويح التصعيدي، الذي أنتج حراكاً في الوساطة المصرية في محاولة لضبط الوضع، نتيجة الحرج الشديد الذي باتت تشعر فيه الحكومة على خلفية تصاعد وتيرة العمليات الفدائية في الضفة والتي لم تعد تتركز في جنين ونابلس كما كان الوضع عليه سابقاً، بل اتسعت رقعتها لتشمل القدس ورام الله إضافة للخليل وبيت لحم وغيرها من مناطق الضفة.
من جهة أخرى، فإن الشارع الإسرائيلي بات يشكل تحديّاً آخر للأحزاب السياسية في الحكومة. اذ ان التبريرات التي باتت تُقدم له، والتي تقوم على فكرة "مكافحة الإرهاب"، والتي غالباً ما تعالج بالعمليات النفسية فقط، لم تعد تجني مكاسب أو تنتج أثراً فاعلاً على الجمهور الإسرائيلي. ويأتي هذا التحدي على ضوء الأرقام المرتفعة للقتلى والتي بلغت 35 جندياً منذ بداية العام الجاري، وهو الأعلى منذ انتهاء الانتفاضة الثانية عام 2005.
الواقع، ان ما يثير القلق الإسرائيلي ليس فقط ارتفاع وتيرة العمليات بل هي جملة من العوامل. فالعمل المقاوم، بحسب ما أشار نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، أصبح واجباً على كل فلسطيني وخاصة في الضفة والقدس لمواجهة المشروع الاستيطاني. خاصة وان كيان الاحتلال يحمّل قادة المقاومة مسؤولية "التحريض" على العمليات.
وأشار العاروري، الذي ظهر ببدلته العسكرية رداً على التهديد الإسرائيلي باغتياله، إلى ان العمل المقاوم في الضفة خضع لتطور مستمر، تطور بالأهداف والوسائل. وهذا ما سجلته الفترة الماضية، التي باتت تشهد على تنفيذ عمليات من مسافة صفر تنتج عدداً أكبر من القتلى يلازمه اتساع برقعة الاشتباك لتشمل مناطق جغرافية أوسع، بسلاح تصنعه بأيديها.
هذا القلق الإسرائيلي الناتج عن الأزمة التي يعاني منها في الداخل المحتل، قد يتسبب بلجوء نتنياهو مجدداً لسياسة الاغتيال وهنا نكون أمام مسارين: الأول، تنفيذ عملية اغتيال بحق قادة المقاومة، وهذا ما سيترتب عليه رداً عسكرياً يبدأ بإطلاق الصواريخ من غزة، فيما يترك التقدير للميدان، اذا ما كانت ستنجز بأيام قتالية او تنجر "إسرائيل" إلى معركة شاملة، شدد العاروري على جهوزيتهم لها. والثاني، ان تقرر حركة حماس انتهاج استراتيجية "مراكمة القوة" وبالتالي يأتي الرد في الضفة الغربية وهو ما لا تريده تل أبيب.
يدرك كيان الاحتلال ان نقل المعركة إلى الداخل سيكلفه ثمناً باهظاً لا قدرة له على استيعابه في ظل الانشقاق السياسي والصدع الحاصل بين مختلف مؤسسات الكيان، خاصة مع ارتفاع الأصوات التي تحمّل نتنياهو مسؤولية ازدياد عدد القتلى. حيث اعتبرت صحيفة هآرتس العبرية في هذا الصدد ان الأمر "لا يتعلق الأمر بالضحايا فحسب، بل بمجتمع بأكمله يعيش في ظل ظروف الحرب، حرب حياة أو موت. وإذا لم يكن لدى السلطات المكلّفة بأمن الناس الشخصي أي حل، فما الغرض منها؟".
الكاتب: غرفة التحرير