وكعادة هوليوود، فإنها دائما تقدم أفلاما مشابهة للواقع إلى حد ما، حيث تناولت العلاقة بين وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية وتهريب المخدرات بشكل يتماهى كثيراً مع الواقع، ففي فيلم توم كروز “American Made”، الذي يجمع بين الكوميديا والحركة، هو مقتبس من قصة حقيقية للطيار الأميركي باري سيل الذي يتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في عملية سرية لمواجهة الشيوعيين في بلدان أمريكا الوسطى، قبل أن يبدأ بتهريب المخدرات لمصلحة أحد أشرس كارتلات كولومبيا.
وتبدو هوية الفيلم التاريخية واضحة، حيث تسلط الضوء على زمن السبعينيات والحرب الباردة الدائرة آنذاك، والتنافس الروسي الاميركي، حيث الطيار باري سيل- يقوم بدوره الممثل توم كروز- الذي يعمل على خطوط طيران TWA ويعيش حياة عائلية مستقرة مع زوجة تدعى لوسي تلعب دورها الممثلة سارة رايت، وطفلين، وهو يقوم بتهريب السيجار الكوبي خلال رحلاته كنوع من زيادة الدخل غير المشروع، ولكن حياته انقلبت رأسا على عقب عندما قابل رجل الاستخبارات الاميركي شايفر، الذي يخبره عن معرفته بجريمة التهريب التي يقوم بها، ولا يدينه عليها، ولكن يريد استغلال مواهبه بصورة أفضل، حيث ستعطيه الدولة طائرة صغيرة رائعة ليقوم بتصوير مناطق النزاع في أمريكا الجنوبية، ولم يحتج باري سيل لكثير من الاغراء والإقناع، ولم يكترث لرفض زوجته لتركه عمله ذا التأمين الطبي العائلي والمنافع العديدة، فيستقيل ويبدأ مغامرته في العمل مع رجال المخابرات.
ولكن باري سيل لم يكن رجلًا قانعًا ولا صاحب مبادئ، لذلك عندما حاول تجار الكوكايين إغراءَه على العمل معهم لتهريب المخدرات من أميركا الجنوبية حتى الولايات المتحدة لم يتردد وغامر بحياته وطائرته ليكمل مهمته، لكن ألقي القبض عليه أثناء ذهابه لأخذ المال مقابل العملية التي قام بها.
تنقذه المخابرات من السجن، فعاد أدراجه إلى عائلته في منتصف الليل وأخذهم هربا إلى بلدة صغيرة اسمها مينا في أركنساس، وهناك يعطيه شايفر مئات الأمتار من الأرض ومنزلا كبيرا ومطارا به عدد من الطائرات، وذلك لاستخدامه في نقل السلاح للمقاومة في نيكارغوا التي تدعمها السياسة الأميركية، ولكن الكونجرس لم يوافق على إمدادهم بالأسلحة، ولكن سيل لا يكتفي بذلك، بل قرر استخدام طائراته وطاقمه في عمليات تهريب ضخمة، فهو يذهب بالأسلحة إلى أميركا الجنوبية، ويعود بالمخدرات التي يوزعها في بلاده، ويكدس الأموال التي لا يجد لها مكانًا ليخبئها فيه من كثرتها.
يبدو هنا الغمز من قناة الاستخبارات الأميركية بالتغاضي عما يقوم به باري سيل سابقاً ولاحقاً، وقبوله للعمل مع “CIA” والتلاعب وتواطؤ رجل الاستخبارات.
يبدو بوضوح البساطة التي تميز بها الفيلم من الناحية الإخراجية، لكن الفيلم يحمل الكثير من المعاني والرسائل المضمرة، ويشبه الواقع المسكوت عنه عن نشاط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
وثمة فيلم أميركي آخر تدور قصته عن علاقة المخابرات الأميركية بعصابات تهريب المخدرات من أميركا اللاتينية إلى داخل الولايات المتحدة وكيف استطاع الصحفي الأميركي غاري ويب كتابة سلسلة من التحقيقات بعنوان "تحالف الظلام "حول هذه العلاقة، وكشف عام 1996 عن تورط الاستخبارات المركزية في تجارة الكوكايين في أحياء الفقراء والأقليات، واستخدام العوائد الملياريّة منها بهدف تمويل قوات يمينيّة عميلة وظّفتها لإسقاط الحكومة اليساريّة في نيكاراغوا. واسم الفيلم “Kill the Messenger " (أقتل حامل الرسالة) بطولة جيرمي رينر وإخراج مايكل كويستا.
قصة الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية، ولكن ملفات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تحفل بالكثير من الوقائع التي تثبت تورطها في أكثر من مكان في العالم بعمليات تجارة وتهريب المخدرات، حيث تطالعنا الصحافة بين الفينة والفينة بتقارير وتحقيقات تثبت هذا التورط الخطير، وتنبئنا عن المخاطر الأمنية والاجتماعية التي تشكلها الأفعال الأميركية المقصودة على الأمن القومي لدولنا المُناهضة لمشاريع الهيمنة الأميركية.
لا شك أن هوليوود تشكل أداة ناعمة من أدوات الدبلوماسية العامة الأميركية، ولكن يبقى هناك من يحاول الإضاءة الى سواد العقل الأميركي المجرم، هذا العقل الذي يحاول الهيمنة والسيطرة على العالم باستكباره وغطرسته.