وليد دقة: نضال عمره 38 عامًا في السجون

للعام 38 على التوالي، يعاني أحد أعمدة الحركة الفلسطينية الأسيرة، وليد دقة، داخل سجون الاحتلال ليس فقط من تلك السنوات الطويلة من الاعتقال، التي سرقت عمره وشبابه، بل أيضًا من سياسة الإهمال الطبي منذ 6 سنوات. وحاله، وهو مريض سرطان، ليست أفضل من حوالي 600 أسير مريض، بينهم 200 أسير بحاجة إلى تدخلات طبية عاجلة، و25 أسيرًا مصابون بأمراض السرطان.

الوضع الصحي للأسير

تدهورت في الأيام الأخيرة الحالة الصحية للأسير دقة، وقد فقد القدرة على المشي بشكل عام والقدرة على الحركة، كما على النطق أيامًا طويلة. كذلك يعاني الأسير من الاختناق التنفسي الحاد، ومن مضاعفات العملية الجراحية الكبيرة التي خضع لها الشهر الماضي. وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، نقلاً عن ضابط الطب في مصلحة السجون أنّ "أيام وليد دقة قصيرة، ويتعرض لخطر حقيقي على حياته".

 بعد العملية استمر الاحتلال بإهمال الوضع الخطير للأسير، اذ أبقاه في الملحق الطبي لسجن "الرملة". وهو ملحق يفتقر الى الاهتمام الجدّي بالمريض، ويبقيه في ظروف استشفائية لا تراعي وضعه، ولا يوفر له العلاج اللازم.

في هذا السياق أكّد المتحدث باسم وزارة الأسرى والمحررين، منتصر الناعوق أن "المضاعفات التي ظهرت على الأسير وليد دقة تؤكد أنه يقبع في عيادة سجن "الرملة" دون أي متابعة ورعاية طبية، وعلى الجميع أن يقف أمام مسؤولياته".

بعد تدهور أكبر وأخطر على صحة المريض نقل الاحتلال مطلع الأسبوع (الاثنين 22/5/2023)، من الملحق الطبي في سجن "الرملة" إلى مستشفى "أساف هاروفيه" في الرملة المحتلّة جراء معاناته من. لكنه سرعان ما أعاده الاحتلال من المستشفى إلى عيادة سجن "الرملة" في خطوة مفاجئة. 

في منتصف شهر نيسان / أبريل 2023، كان الأسير دقة قد أجرى عملية استئصال جزء كبير من الرئة اليمنى في مستشفى "يرزيلاي" في عسقلان المحتلّة. وكانت عائلة الأسير قد أصدرت بيانًا أوضحت فيه أنّ "وليد يحتاج من ناحية إلى عناية صحية مكثفة للرئتين والكلى والدم، ومن ناحية أخرى إلى إجراء عملية زرع نخاع بالغة الحساسية (علماً يتوافر أكثر من متبرع)، وتقتضي بيئة علاجية لا يتوفر الحد الأدنى منها في ظل ظروف الأسر والحراسة المشددة التي تمارسها إدارة السجون".

في العام 2016، بدأت مؤشرات المرض تظهر على صحة الأسير دقة، الا أنّ مصلحة السجون لم تأخذها على محمل الجد وتعاملت بالإهمال المتعمّد، فلم تعرضه على طبيب مختص ولم توفر له تشخيصًا طبيًا.  أمّا في كانون الأول / ديسمبر من العام 2022، تم تشخيص إصابة الأسير دقة أن الأسير وليد دقة يعاني من سرطان النخاع الشوكي، بالإضافة إلى مشكلات صحية متعدّدة، ومنها أمراض تنفسية والتهاب في الرئة اليمنى.

المواقف الشعبية والفصائلية

على الرغم من الخطر الكبير على حياة الدقة، أمعن وزير أمن الاحتلال ايتمار بن غفير في انتهاكاته لحقوق الأسرى، اذ قال: "دقة مخادع ويجب أن ينهي حياته داخل السجن". في المقابل رأت وزارة الأسرى والمحررين في غزة أنّ "تصريحات المتطرف بن غفير حول قضية الأسير المريض وليد دقة تؤكد وجود نوايا مبيتة لدى الاحتلال بقتله وتصفيته، وتعكس فظاعة الجريمة التي يرتكبها الاحتلال بممارسة الإهمال الطبي بحق الأسير دقة ومئات الأسرى المرضى".

تقف المقاومة الفلسطينية على قلب رجل واحد دفاعاً عن إحدى القضايا الوطنية الثابتة، وضد سياسة الاغتيال المتعمّد للأسرى، والذي صدر عن الغرفة المشتركة، اذ نشرت الأخيرة  عبر قناتها الرسمية على تطبيق "تيليغرام" صورة الأسير المريض وليد دقة، مع عبارة "شعبنا لن يقبل أن يستقبل أسراه شهداء". في إشارة الى استعدادها  للتصعيد كما حدث مع اغتيال الاحتلال للأسير خضر عدنان مطلع الشهر الحالي.

كذلك صرّح المتحدث الإعلامي لمؤسسة مهجة القدس، تامر الزعانين أنّ ما يحدث مع القائد وليد دقة إعدام بطيء وقتل عمد وممنهج من كافة السلطات الصهيونية الأمنية والسياسية، كما حدث مع الأسير القائد الشيخ خضر عدنان والأسير المريض ناصر أبو حميد وشهداء الحركة الأسير. ونُظمّت الوقفات الشعبية الاسنادية، للأسير وكل الأسرى المرضى، في غزّة والضفة الغربية المحتلّة (الخليل، بيت لحم).

أمّا داخل السجون، فقد دخل الأسرى المرضى في سجن "الرملة" إضرابًا عن الطعام بدأ يوم الخميس في 25/5/2023، لمواجهة سياسة الإهمال الطبي واسنادًا للأسير دقة. كذلك أعلن أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الإضراب عن الطعام استهداف قادة الجبهة في الأسر ولاسيما الأمين العام أحمد سعدات، وإسناداً للأسير وليد دقة والأسرى المرضى.

في هذا السياق، أعلنت الجبهة الشعبية في سجون الاحتلال أن  "كتيبة الشهيد خضر عدنان تتقدم الخطوات النضالية، وسيخوض الإضراب 54 أسيراً من الجبهة، رداً على عدوان إدارة السجون تجاه قيادة وكوادر الجبهة ورفضاً لسياسة الإهمال الطبي وتضامناً مع الأسير وليد دقة، وأسرى سجن الرملة والمرضى".

سيرة الأسير وليد دقة

وليد نمر دقّة (ولد عام 1962)، وهو من بلدة باقة الغربيّة المحتلّة عام 1948. اتهمه الاحتلال بتشكيل خلية عسكرية مطلع الثمانينيات ثمّ بقتل الجندي (موشيه تمام) عام 1984. اعتقل في العام 1986 وحكم عليه بالإعدام في البداية، ولاحقًا خفف الحكم بالسجن 37 عامًا. ثمّ أضاف الاحتلال عليهم سنتين، بسبب اتهام الأسير بإدخال هواتف نقّالة للأسرى.

برز دور دقة داخل السجون، وهو من بين 9 أسرى تطلق عليهم الحركة الأسيرة وصف "أيقونات الأسرى"، لأنه قضى أكثر من 30 عامًا بشكل متواصل في السجون، وقاد العديد من النضالات ضد مصلحة السجون.

 لم يمنع الاعتقال دقة من مواصلة تحقيق تقدمه العلمي والأكاديمي، فقد جَهِد الى أن حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، وقاد دقّة الكثير من المعارك النضالية داخل السجن. ويعتبر من أبرز مفكريّ الحركة الأسيرة، اذ ألّف العديد من الكتب ومنها: يوميات المقاومة في جنين، الزمن الموازي صهر الوعي (الذي يرصد أساليب الاحتلال المتطوّرة ضدّ الأسرى ولمحاربة وعيهم)، وحكاية سر الزيت التي حصدت "جائزة اتصالات الإمارتية لأدب اليافعين" عام 2018.