في الصراع مع الوقت لإنقاذ الولايات المتحدة والعالم من تخلف البيت الأبيض عن سداد الديون، لا يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يمكنه أن يفعل الكثير، كما يبدو أن الجمهوريين فخورون جدًا بفكرة التخلف عن سداد الديون أثناء حكم بايدن، ويبدو أيضًا أن الاستقطاب السياسي يضع السياسة قبل الاقتصاد في الولايات المتحدة، ذلك أن الفشل في الوفاء بالتزامات الحكومة الأمريكية عالميًا، من شأنه أن يتسبب في ضرر على الاقتصاد الأمريكي لا يمكن إصلاحه، والأخطر، أنه سيتسبب بأضرار على الاستقرار المالي العالمي، لأن سوق سندات الخزانة الأمريكية هو حجر الأساس للنظام العالمي اليوم، و "لو عطست أمريكا، فإن العالم يمرض"، كما يقول المثل الشائع. لكن أمام هذا المشهد، يصرّح الجمهوريون بكل وضوح، أنهم على استعداد للكارثة الاقتصادية بسبب عدم الموافقة على رفع سقف الدين، إذا لم يحصلوا على التنازلات السياسية من بايدن، والأخير يدرس رفع سقف الدين بدون الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
لعبة حافة الهاوية
سقف الدين هو الحد القانوني الذي يمكن للولايات المتحدة من خلاله الاقتراض لسداد التزاماتها الحالية، بما في ذلك الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ورواتب العسكريين. ويشمل المبلغ حوالي 24.5 تريليون دولار، بالإضافة إلى ما يقرب من 6.9 تريليون دولار التي اقترضتها الحكومة من نفسها. يسعى الديموقراطيون إلى رفع سقف الدين، فيما يعارض ذلك الجمهوريون الذين يسيطرون على الكونغرس، للحصول على تنازلات سياسية من بايدن بشأن الإنفاق الحكومي، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب على بايدن أن ينجح في الانتخابات المقبلة، في حال تخلّف عن أجندته في الانفاق الاجتماعي الذي يقدّر ب 3.5 ترليون دولار لدعم المجتمع. إلا أن إدارة بايدن، أعربت عن ثقتها سرًا وعلانية، عن قدرتها على إجبار الحزب الجمهوري على رفع الحد الأقصى للاقتراض الفيدرالي دون حتى الإذعان جزئيا لمطالب المحافظين بخفض الإنفاق.
خطة الجمهوريين
حتى الآن لا يبدو أن إدارة بايدن قد نجحت، أصدر رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي خطة يأمل الجمهوريون تمريرها الأسبوع المقبل، وخفض الإنفاق الفيدرالي بنحو 130 مليار دولار في تخفيضات الإنفاق لعام 2024. وإلغاء بعض أولويات الرئيس بايدن والإنجازات التشريعية الأخيرة، بما في ذلك برنامجه لإلغاء ديون طلاب الجامعات. ومن المحتمل أن تستهدف تخفيضات الإنفاق برامج الرعاية الصحية والعلوم والتعليم والمناخ والطاقة والعمل والبحوث الفيدرالية، مع ترك البنتاغون والخدمات للمحاربين القدامى دون تغيير. لكن مشروع القانون لا يحدد بالضبط الوكالات أو البرامج التي سيتم الاقتطاع منها، تاركًا المهمة للمشرعين في لجان المخصصات في الكونجرس الذين يصوغون مشاريع قوانين الإنفاق التي تحافظ على عمل الحكومة وتجنب الإغلاق. كما اقترح الجمهوريون وضع حد أقصى لأي نمو في الميزانيات المستقبلية للوكالات الفيدرالية عند 1%.
تداعيات خطة الجمهوريين
ولتسليط الضوء على ضرر مثل هذه التخفيضات في وقت سابق من هذا العام، توقع مسؤولو إدارة بايدن المزيد من التأخير في الرحلات، وتباطؤ فحوصات الضمان الاجتماعي، وتخفيضات كبيرة في عدد الأشخاص الذين تخدمهم برامج الإسكان الميسور التكلفة، وفقا لرسائل أرسلوها إلى الكونجرس في وقت سابق من هذا العام. وتهدف خطة الحزب الجمهوري رسميا إلى منع برنامج بايدن القادم لإلغاء آلاف الدولارات من ديون الكلية، وهو برنامج سعى إليه منذ فترة طويلة الطلاب الذين يعانون من ضائقة مالية وتدرسه المحكمة العليا أيضا.
وقالت الرسائل، التي حللت نسخة سابقة من خطة الحزب الجمهوري، إن التخفيضات إلى مستويات 2022 ستعيق أيضا الوكالات الحكومية التي تستجيب للطقس القاسي، وتزيل 170,000 ألف فتحة في برنامج فيدرالي رئيسي لمرحلة ما قبل المدرسة، وتؤثر على مصلحة الضرائب وقدرتها على توفير المبالغ المستردة في الوقت المناسب.
زيادة الحد الأقصى لسقف الدين
إذا لم يقم الكونجرس بزيادة الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن لوزارة الخزانة اقتراضه، فلن يكون لدى الحكومة الفيدرالية ما يكفي من المال لدفع جميع التزاماتها في يونيو/ حزيران. مثل هذا الخرق لسقف الديون - الحد القانوني للاقتراض - سيمثل انهيارًا غير مسبوق، يعتقد الاقتصاديون أنه يمكن أن يثير حالة من الذعر المالي العالمي ويؤدي إلى ركود في الولايات المتحدة. وأن أي خطوة من هذا القبيل قد تؤدي إلى زيادة دائمة في تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة، لأن المستثمرين سيطالبون بأسعار فائدة أعلى لشراء السندات الأمريكية المشكوك فيها قانونيا.
محاولة رفع سقف الدين من دون الكونغرس
رحب بايدن بإمكانية إجراء مفاوضات مع مكارثي حول مستويات الإنفاق الحكومي، إذ ليس قابلًا للتفاوض، تجنّب التخلف عن السداد كما صرح الرئيس الأمريكي، على الرغم من أنه يرفض بشدة خطة مكارثي. لدى الجمهوريين 222 صوتا، لذلك لا يمكن لرئيس المجلس أن يخسر أكثر من أربعة أصوات للفوز. وفي الوقت نفسه، يعارض الديمقراطيون بشدة هذه الخطة، مما يضمن فشلها في مجلس الشيوخ. وقد عقد مساعدو البيت الأبيض العديد من الاجتماعات الاستراتيجية الداخلية التي استكشفت الجوانب السلبية المحتملة لمحاولة رفع سقف الديون من جانب واحد بدون الكونجرس وفقًا لتصريحات مسؤولين لواشنطن بوست. وهكذا يقف العالم على كفي الاستقطاب السياسي للعفريت الأمريكي.
الكاتب: زينب عقيل