يتشكّل "المجتمع" اليهودي في كيان الاحتلال من قوميات مختلفة، جيء بها من جميع أنحاء العالم للاستيطان في أرض فلسطين المحتلة. تنوّع القوميات الكبير، جعل من البنية المجتمعية لليهود، أرضية متفككة تحكمها الصراعات. صراعات على مستوى التوجهات: بين المتدينين والعلمانيين. وصراعات عرقية وطبقية، كالصراع بين الأشكناز والسفرديم.
من هم الأشكناز والسفارديم؟
يعرف الأشكناز، بأنهم اليهود الذين ترجع أصولهم الى أوروبا الغربية، وتحديدًا ألمانيا وفرنسا. فيما ينحدر اليهود السفارديم من اليهود الذين خرجوا من إسبانيا والبرتغال في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وتفرقوا في شمال افريقيا وآسيا الصغرى وبلاد الشام. يتضمّن السفارديم أيضًا اليهود المزراحيون، وهم اليهود القادمون من إيران، الهند، كردستان، جورجيا، آسيا الوسطى، بالاضافة الى يهود العراق وإثيوبيا، والسودان وسوريا وشبه الجزيرة العربية.
خرج الأشكناز من أوروبا، منبوذين وبعقدة نقص. وبدلًا من تأسيس كيان صهيوني معادٍ للغرب، قرروا تعويض ذلك النقص، بتصنيف أنفسهم امتدادًا لأوروبا في الشرق، وسعوا نحو "تغريب مجتمعهم".
لكن، قبل فترة من قيام الكيان الاسرائيلي، اصطدم الأشكناز بمشكلة تدفق "الهجرات" التي حملت السفارديم معها، مقابل الأعداد القليلة للأشكنازيين. هدّد ذلك طموحات "تغريب إسرائيل"، لذا كان لابدّ من تحجيم السفارديم. وكانت هذه بداية التمييز والطبقية مع بداية تأسيس كيان الاحتلال.
بذلك، خُصص للسفارديم مخيمات اللجوء في أسوء المناطق، ومنحوا أسوأ الأراضي الجبلية، وأقلها خصوبة وانتاجية وبالتالي ربحًا. مقابل حصول الأشكناز على الأراضي السهلة الخصبة، وسكنهم في الأحياء الراقية من فلسطين المحتلّة. وفي العام 1949، اندلعت "ثورة" للسفادريم احتجاجًا على ظروف حياتهم، وصلت الى حدّ دق ناقوس خطر الصدام الداخلي. وتبعتها "ثورة" عام 1971.
واقع الطبقية والتمييز مستمر
سيطر الأشكناز على الثروة وتمتعوا بالغنى، شغلوا المناصب العليا في مستويات الكيان، وهيمنوا على الوظائف الرفيعة في المؤسسات المتنوعة، وحصلوا على رواتب مرتفعة. وصنّفوا الطبقة العليا في كيان الاحتلال.
بينما تركت الوظائف المتدنية للسفارديم، مع حرمانهم من الامتيازات في الترقيات والإدارة، ومنحوا رواتب أقل، اذ هم في أدنى سلم الأجور في كيان الاحتلال بعد العرب. كما عملوا في المهن الشاقة وفي الزراعة والصناعة الخفيفة بأجر يومي زهيد. انسحب هذا الواقع الى التعليم، اذ إنّ دخول أبناء الاشكناز للجامعات، يصل إلى ثلاثة أضعاف أبناء اليهود السفارديم.
بيّن تقرير معهد Adeva للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (عبري)، الفجوات الحادة بين الأشكناز والمزراحيم (من السفارديم). ووفقًا للتقرير، فإن دخل المستوطنين الموظفين المولودين لأب أوروبي (أشكناز) كان أعلى بنسبة 41% من متوسط الرواتب عام 2009. في حين أن دخل المستوطنين الموظفين المولودين لآباء ولدوا في آسيا وأفريقيا (مزراحي) كان أعلى من المتوسط بنسبة 3% فقط.
بالتالي عاش السفارديم، الذين يصنفون الطبقة الدنيا، في واقع من الفقر مقارنةً بالأشكناز، ومقارنةً بحياتهم في دول الشتات التي قدموا منها. وخاصة اليهود الذي جاؤوا من البلاد العربية والاسلامية، حيث كانوا "تجارًا ناجحين، واكتسبوا مكانة عالية، يمكنهم العمل في كل ما يريدون. معظمهم عملوا طواعية في مجالات معينة ، بعضها كان في الواقع تحت سيطرتهم: الخياطة ، وصناعة الأحذية ، وصياغة الذهب ، والختم ، وتجارة التوابل ، ومحلات البقالة ، والبيع ، وكذلك في التجارة الدولية"، حسب ما قال مدير معهد دراسة يهود ليبيا، يعقوب حجاج.
الصراع العرقي يعزّز الأزمة السياسية
أخيرًا في العام 2022، ومع بروز أزمة الانقسامات الحادّة في كيان الاحتلال، ترى صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أنه "على الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود منذ إنشاء الدولة ، لكن يبدو أن البعض لا يزال يعتقد أنه يمكن تحقيق مكاسب سياسية من خلال وصف الخصم بأنه أشكنازي أو سفاردي".
في استطلاع رأي (بنما 2022)، أظهرت النتائج أنّ 76% من المستوطنين يشعرون بوجود شقاق بين المزراحيم والأشكناز. وأنّ 38% يعتقدون أن الفجوة بين المزراحيم والأشكناز قد اتسعت في العاميين الماضيين.
في الخلاصة، إنّ هذه البنية المجتمعية القائمة على صراع التيارات والأعراق والقوميات، ستقود الكيان الاسرائيلي نحو الخراب من الداخل، ناهيك عن اجتماع العوامل الخارجية وتصاعد محور المقاومة على مختلف الجبهات.
الكاتب: مروة ناصر