إنّ المراقب لخطابات وتغريدات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، منذ بدأ الاحتجاجات المعارِضة للتعديلات القضائية ولغاية اللحظة الأخيرة من مساء أمس، والتي عبّر فيها عن التعامل بقوة و"حزم" مع العصيان، ولا سيما في صفوف الجيش، يستبعد سيناريو تراجعه.
ظهر نتنياهو في كلمته، بعد خروج الأمور عن السيطرة، والشّلل الذي أصاب الكيان جراء توسّع الاحتجاجات منذ إقالة وزير الجيش يوآف غالانت، بدور من يريد امتصاص غضب الشارع وحقن دماء اليهود، بعد أن دعا اليمين المتطرف الى مظاهرات مضادة. في المقابل ألغت النقابات العمالية (الهستدروت)، إضرابها، وأعرب رئيسها أرنون بار ديفيد عن الاستعداد لـ " المساعدة في وضع تعديلات تحظى بتوافق واسع".
لكن، نتنياهو تراجع خطوة الى الوراء، بسبب الضغوط الأمريكية فعليًا، اذ ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، أنه "لمدة 48 ساعة، مارس كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن ضغوطًا شديدة على نتنياهو لوقف خطة التعديلات القضائية". كما، قال السفير الأمريكي في الكيان، توم يندس، إنه سيتم دعوة نتنياهو الى البيت الأبيض، ورجّح أن يكون موعد الزيارة بعد "عيد الفصح" العبري.
اختار نتنياهو، تأجيل طرح "قانون الإصلاحات القضائية" في "الكنيست" للقراءتين الثانية والثالثة لغاية فصل الصيف. مناورًا بذلك لكسب الوقت في الجلوس على طاولة التفاوض مع المعارضة من جهة، ومع أحزاب الائتلاف من جهة ثانية، التي تسلّل الانقسام اليها مع دعم زعيم حزب "ساش" ارييه درعي خيار وقف التعديلات القضائية. لكنّ نتنياهو لم يستطع التوصّل الى مثل هذا القرار، دون منح وزير الأمن ايتمار بن غفير "المقابل"، تفاديًا أن ينفّذ الأخير ما هدّد به ويفكك الائتلاف الحكومي.
فقد وقّع الاثنان على إنشاء "الحرس الوطني"، بميزانية تقارب الـ 31 مليار دولار. تكون هذه القوات، ذراع لشرطة الاحتلال تحت تصرّف بن غفير. وهذا ما أثار موجة من الانتقادات، اذ اعتبر الرئيس السابق لقسم العمليات في شرطة الاحتلال، بيرتي أوهيون، أن "هذه ميليشيا خاصة وقرار صعب للغاية، آمل ألا تؤتي ثمارها. ستنشأ الفوضى هنا مع جهتين أمنيتين تعملان في نفس الخلية الميدانية"، وهي تعرّض "أمن إسرائيل للخطر".
لم يكتفِ، بن غفير بتمرير هذه الميليشيات فقط، كشرطٍ لعدم استخدام حق النقض على تأجيل البتّ بالتعديلات القضائية، بل ادعى أنه يمهل نتنياهو لغاية نهاية شهر تموز، لتمرير "القانون"، حتّى وإن لم يتم التوصّل لاتفاق مع المعارضة. ما يعيد خطر نزول اليمين المتطرف الى الشارع ووقوع الصدامات مع متظاهري اليسار.
قد تخف وتيرة المظاهرات لكنها لن تنتهي!
"لا يمكن تصديق نتنياهو، لأنه يريد فقط أن يوقف الاحتجاج بصورة مؤقتة... في مفهوم نتنياهو، الأزمات لا تنتهي، إنها فقط تُغير شكلها". هذا ما تعبّر عنه أوساط المعارضة، لا سيما، وأنّ "مشروع القانون" الخاص بتشكيل لجنة اختيار القضاة في محكمة الاحتلال العليا، وهو جزء من التعديلات القضائية، طرح اليوم أمام "الكنيست" للتصويت عليه!
لذا، قال ما يسمى "تنظيم قادة النضال ضد الديكتاتورية"، إنه "لا تراجع، مستمرون بالنضال! طالما التشريع مستمر ولم يحفظ على الرف فإننا سنبقى في الشوارع. هذه محاولة أخرى لإضعاف الاحتجاج من أجل تشريع الديكتاتورية".
في هذا السياق أيضًا، عبّر ما يسمى مقر "نضال عمال الهايتك" أنه لن يوقف الاحتجاج، "حتى تبدأ مفاوضات صادقة ومفتوحة". ومن المتوقع أن تستمر المظاهرات، يوم السبت، خاصة في منطقتي "تل أبيب"، و"كابلان". لكن قد لا تحظى بالزخم نفسه بسبب المفاوضات.
اذ، زعم وزير أمن الاحتلال السابق بيني غانتس، " سأبقى معارضاً لهذه الحكومة لكنني سأدعم الحوار"، مضيفًا "سأعمل من أجل التوصّل إلى اتفاق إذا كانت الحكومة صادقة". وكذلك رحّب زعيم المعارضة الحالية، يائير لابيد بالحوار.
فيما، لم يخلو المعسكر اليساري من الانقسامات بالآراء، حول جدية نتنياهو بالحوار. وهو ما عبّرت عنه زعيمة حزب "العمل"، ميراف ميخائيلي، باعتبارها أن خطاب "نتنياهو مليء بالأكاذيب والتحريض ولا يجب أن نقع في فخّه". داعيةً الى تعزيز الاحتجاجات.
أجّل نتنياهو الصدام الدموي الذي كان ليقع بالأمس، بين مظاهرات اليسار، ومظاهرات اليمين على الضفة الأخرى. لكنّ ذلك لا ينهي حالة الشرخ التي تتوسّع بين مكونات "المجتمع" الصهيوني، وقد تجد "الحرب الأهلية" سبيلها من جديد.
الكاتب: مروة ناصر